السري، وأسرى مروءة الدني. فهم يروحون به عن أنفسهم، ويعبرون من خلاله عما يجيش في صدورهم من أفراح أو أحزان أو هموم، ولا يضعونه في صف الرسالة الدينية التي كرسوا لها أعمارهم. والشاعر منهم يقول الشعر ولا يريد أن يعرف به، كما لا يأنف إن نسب إليه، ومن هذه النظرة إلى الشعر، جاء إهمالهم لجمع ما ينظمون، تاركين المهمة للحفاظ والمهتمين من الأدباء والخطباء وغيرهم.
وقصائد سيدنا الرضا يمكن أن تقتسمها أغراض حددت الجهات المسؤولة عن حفظها، فمديح النبي عليه الصلاة والسلام، ومديح ومراثي آل بيته الطاهرين غرض - أو جانب من غرضي المديح والرثاء - يقع في دائرة اهتمام خطباء المنابر الحسينية، إذ ذرج هؤلاء على افتتاح كل مجلس خطابي بإنشاد قصيدة مديح أو رثاء قيلت في النبي، عليه الصلاة والسلام، أو في واحد من أهل بيته، فالخطباء حفاظ للجيد من تلك القصائد، يتلقفونها ويتناقلونها ويضيفونها إلى محفوظهم، إعلاء لمكانتهم الأدبية، وتحقيقا للتنوع فيما يمتعون به جماهير مجالسهم.
وقصائد سيدنا الرضا، في هذا الباب، كثيرة وشهيرة ومحفوظة في صدور كبار الخطباء أخذوها عنه ونقلوها إلى غيرهم من المبتدئين في فن الخطابة، وكان من الممكن جدا أن تجمع هذه القصائد من حفاظها، قبل أن تخترم الآجال أوثقهم رواية وأوعاهم حفظا، ولكن أحدا من أبناء سيدنا الرضا أو ذويه أو المهتمين بأشعاره لم يفعل ذلك، لانشغال الجميع في شؤون الحياة وشجونها، ولظنهم أن الخلود قد حالف هذه القصائد، فهي تنشد في كل مجلس من مجالس الخطابة، وفي كل بلد يقيم أهله تلك المجالس، ولم يتنبهوا إلى بطلان ظنهم إلا متأخرين، حين اختار الله، سبحانه، إلى جواره أولئك الخطباء والثقاة