الوسواس ووقعوا في الحيرة والشبهة كما اتفق لبني إسرائيل.
فإن قلت فكيف أخبروا ببعض الأمور البدائية، ثم وقع خلافه لبعض المصالح، كما في قضية الشاب الذي أخبر داود بموته والمرأة التي أخبر عيسى بموتها واليهودي الذي أخبر نبينا (صلى الله عليه وآله) بموته ثم لم يموتوا وأخبروا بوقوع الفرج في زمان، ولم يقع في ذلك الزمان وتأخر لبعض الحكم والأسباب كما ذكر في رواية أبي حمزة السابقة وكيف لم يوجب ذلك ضلالة المؤمنين، ولم يقعوا في الحيرة والشبهة.
قلت إنما كان ذلك بسبب حضور الحجج فيهم وتبيينهم سر البداء والتأخير لهم وتيسر السؤال عنهم والمؤمنون في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) محجوبون عن رؤيته، محرومون من لقائه واستكشاف المسائل عنه فلو أخبروا بوقوع الظهور في وقت بدائي، ثم تأخر عنه لمصلحة إلهية، ولم يكن فيهم الإمام والحجة ليردهم عن الحيرة والشبهة، ويبين لهم صدق الأخبار ووجه المصلحة، وقعوا في الحيرة والشبهة، وتاهوا في وادي الضلالة، فلذلك لم يوقتوا لهم وقتا حتميا ولا بدائيا أما الحتمي فللوجوه السابقة، وأما البدائي فلهذا الوجه الذي بيناه رأفة بهم وشفقة عليهم وحفظا لهم من الزلة والضلالة.
فإن قلت: إن المؤمنين إذا أيقنوا بصدق أئمتهم، واعتقدوا وقوع البداء في المقدرات الإلهية، والإخبارات الغيبية، لم يقعوا في الحيرة والضلالة ولم يتزلزلوا في عقائدهم الحقة، سواء كان الإمام حاضرا فيهم أم غائبا عنهم.
قلت هذا حال المؤمنين الكاملين، الذين رسخ في قلوبهم الإيمان ببينة وبرهان، وأيدهم الله تعالى بروح منه وهم قليل بالنسبة إلى ما سواهم وأما الأكثرون فهم ضعفاء العقول والإيمان، كخامة الزرع يميل يمينا وشمالا بهبوب الرياح، يسقط مرة ويقوم أخرى. فأرادوا رعايتهم ومحافظتهم حتى تكمل قوتهم، وتسلم عدتهم ودفع ما يوجب السقوط والاضمحلال عنهم ولهذا كان الأئمة (عليهم السلام) يسترون كثيرا من المطالب عن كثير من أصحابهم وشيعتهم حفظا لهم، وشفقة عليهم فإن الإمام هو الوالد الشفيق كما في حديث صفات الإمام وفضله المروي في الكافي (1) وغيره.
وقد ظهر مما ذكرنا أن إخبار موسى بني إسرائيل بالوقت البدائي لم يكن إضلالا لهم،