الأئمة (عليهم السلام) وإن كانوا عالمين بكل شئ، عدا ما استثنى مثل الاسم الأعظم، الذي ادخره الله عز وجل لنفسه، لم يطلع عليه أحدا من خلقه، لكنهم * (عباد مكرمون لا يسبقون بالقول وهم بأمره يعملون) * ولا يخبرون العباد إلا بما أمرهم الله تعالى بإظهاره لهم، كما ورد ذلك في روايات عديدة مذكورة في البصائر (1) وغيره.
وحاصلها أن الله تعالى أمر العباد بأن يسألوا الأئمة الأمجاد، فقال تعالى (2) * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * فعليهم السؤال، وليس الإمام ملزما بالجواب بل هو موكول إلى مشيئته، بحسب ما يراه من المصلحة، فإن شاء أجاب وإن شاء أمسك كما قال عز وجل:
* (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) * فهو يعمل بمقتضى المصلحة من الجواب والتقية، والكتمان والتورية.
ولو أردنا ذكر الروايات الواردة في كل باب من هذه الأبواب لطال الكتاب وخرج عما هو المقصود، وأوجب الإطناب، والعارف يكفيه الإشارة ولم أجد في الأخبار المأثورة ما يتوهم منه المنافاة لما ذكرناه سوى حديثين:
- أحدهما: ما روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما يكون إلى يوم القيامة، والآية قوله تعالى (3) * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * وروي نظيره عن غيره من الأئمة (عليهم السلام) أيضا.
والثاني: خبر أبي حمزة الثمالي المتقدم في التنبيه الأول، عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام) حيث قال في ذيل كلامه: ولم يجعل له بعد ذلك وقتا عندنا * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * ولا دلالة فيهما عند التأمل التام على نفي علم الإمام بوقت ظهوره عليه الصلاة والسلام.
أما الأول فلأن معناه أن قوله تعالى * (يمحو الله ما يشاء) * الخ، مانع عن أخبار الناس بما يكون إلى يوم القيامة لأنه (عليه السلام) لم يقل: لولا آية في كتاب الله لعلمت ما يكون وإنما قال لولا تلك الآية لأخبرتكم بما يكون وكلمة لولا تدل على امتناع الجملة الفعلية، بسبب وجود الجملة الاسمية، الواقعة بعد لولا وتسمى لولا الامتناعية.