مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٣٢١
وتحقيق الكلام في هذا المقام إن الحكمة الإلهية اقتضت إخفاء كثير من الأمور عن العباد، وإظهار جملة منها لهم بعد خفائها عنهم، وجعل كثيرا من التقديرات موقوفة على وقوع أمور أو عدم أمور أخرى وفيها يكون المحو والإثبات وهو عالم بما يمحو وما يثبت في أزل الآزال، وعنده أم الكتاب، وهو اللوح المحفوظ، الذي جرى فيه القلم بأمره عز وجل، بجميع ما يكون كما يكون، وإنما أخبر عباده بوقوع المحو والإثبات لحكم كثيرة، ومصالح عديدة:
منها دلالتهم على عموم قدرته، ونفوذ مشيئته لئلا يقولوا كما قالت اليهود والزنادقة يد الله مغلولة.
ومنها أن يتعبدوا له ويتضرعوا إليه، ويدعوه فيفوزوا بإحدى الحسنيين أعني نيل مقاصدهم في الدار العاجلة، إن كانت من الأمور الموقوفة، والفوز بثواب الدعاء والتعبد والتضرع في الدار الآخرة، إن كانت من الأمور المحتومة.
ومنها التمحيص لقوم والامتحان لقوم آخرين، ليميز الله الخبيث من الطيب وهذا التمحيص والامتحان قد يقع في أصل الإذعان للمحو والإثبات فيؤمن به قوم مؤمنون وينكره قوم آخرون، كما زعمه قوم من الفلاسفة الزنادقة، وقد يقع في تصديق الأئمة الطاهرين، وحجج الله على العالمين، فيما أخبروا بوقوع البداء فيه، لكونه من الأمور الموقوفة، التي يجري فيها المحو والإثبات، فصدقهم المؤمنون لاعتقادهم به، وبصدق أئمتهم.
وإليه أشار مولانا الباقر (عليه السلام) في حديث فضيل بن يسار الذي مر في الوجه الرابع، فاغتنمه وراجع. وكذبهم المعاندون ونسبوهم إلى الافتراء على الله جل شأنه في ذلك، وزعموا أن ذلك مما وضعه الأئمة (عليهم السلام)، ليكون مندوحة لهم فيما يخبرون به شيعتهم، ثم يقع على خلاف ما حدثوهم به فقد دل جل وعز في كتابه الكريم على وقوع المحو والإثبات تصديقا لما يحدث به ويبينه حججه وبيناته، وينكره الجاهلون به وعصاته، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وقد يقع التمحيص والامتحان في الآثار المترتبة على الاعتقاد بوقوع المحو والإثبات، في مرحلة التوكل والتعبد، والتصدق، والتضرع، والدعاء، والاهتمام، في الأمور الباعثة
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»