وتقصيرا في حقهم، بل كان امتحانا وتمحيصا لهم بأمر الله عز وجل، لأنه استخلف عليهم أخاه هارون حين أراد الغيبة عنهم، وجعله حجة عليهم فكانوا هم المقصرين في إعراضهم عن الحجة وتركهم الرجوع إليه في كشف الحيرة والشبهة بل أرادوا قتله كما قال: * (يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) * وقال تبارك وتعالى * (ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) *.
- فإن قلت قد ورد عن الحجة (عليه السلام) (1) وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.
فجعل العلماء في زمان غيبته حجة على العباد ومرجعا لهم فكما أن المؤمنين الموجودين في زمن حضور الأئمة تمت عليهم الحجة، ووضح لهم السبيل في كشف الحيرة والشبهة، ورفع ما يوجب الزلة والضلالة بالسؤال عن الأئمة وكذلك المؤمنون الموجودون في زمن الغيبة، تمت عليهم الحجة ووضح لهم السبيل بالرجوع إلى العلماء الأبرار، الناقلين لآثار الأئمة الأطهار، الحاملين لعلومهم في كل ما يرد عليهم مما لا يفهمون وجهه، ويختلج في صدورهم من الشبهة فلا ضير في أخبارهم بالوقت البدائي للظهور المحتمل تأخيره لوجه من الحكمة والمصلحة.
قلت أما أولا فإنه قد يكون في بعض أزمنة الغيبة زمان يختفي العلم، إما بفقد العلماء، أو باختفائهم لغلبة الباطل وأهله ويسمى ذلك الزمان في الأخبار بزمان الفترة والسبطة، وحينئذ لا يجد المؤمن من يدفع عنه الشبهة والحيرة، ويبين له وجه المصلحة والحكمة.
- ويدل على ما ذكرناه ما رواه الشيخ النعماني (2) قدس الله تعالى سره في كتاب الغيبة، بإسناده عن أبان بن تغلب (رضي الله عنه) عن أبي عبد الله، أنه قال: يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة يأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجم قلت: فما السبطة قال الفترة قلت فكيف نصنع فيما بين ذلك فقال (عليه السلام) كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم.