إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٦٤
لا يخلون عن أمثال هذه الأمور وأما قوله إن أهل السنة يعدونه خليفة ويجعلونه حجة الله في أرضه فهذا أمر باطل فإن أهل السنة لا يعدونه إلا ملكا من ملوك الإسلام وهو كان من أهل البغي في زمن أمير المؤمنين (ع) ثم صار ملكا بعد وفاة أمير المؤمنين لما بايعه الحسن بن علي وانتهى خلافة النبوة وختم بالحسن بن علي هذا مذهب أهل السنة والجماعة انتهى وأقول قد مر أن ما اتفق عليه الأمة ودل عليه نص القرآن هو قبح حب تشييع الفاحشة أي غير أن يدعو إليه قاعدة دينية وإلا لانسد باب الجرح والتعديل كما عرفت مرارا وأما ما ذكره من أن القذف بالزنا قبيح لأي شخص كان فعلى تقدير تسليمه على إطلاقه نقول إن المصنف كان ناقلا لذلك عن الكلبي والكلبي ناقل عن غيره ونقل الكفر ليس بكفر فضلا عن نقل مثالب فاسق كمعاوية وأضرابه فلا يتوجه على المصنف ولا على الكلبي حد وتعزير وأما ما ذكره من أنا لا ندري ما غرض هذا الرجل من نشر هذه الأمور فأقول في جوابه إن الغرض من نشر مثالب معاوية لكونه ولد زنا إثبات أنه لا يصلح للخلافة فمن زعمه صالحا لها من أهل السنة كان على الباطل وأيضا إذا كان كذلك لم يكن صالحا للإمارة فيتطرق الطعن إلى الخلفاء في تفويض إمارة الشام إليه كما مر وهو من أعلى المطالب كما لا يخفى وأما ما ذكره في حقيقة خبر هند نقلا مما سماه صحاح التواريخ فهي تواريخ لم يحصل لها وجود ذهني أيضا وقد وفق ما نقل المصنف عن الكلبي ما ذكره الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار وفيه أن اسم الرابع من الجماعة التي نسب إليهم معاوية كان أبي الصباح مغن أسود كان لعمارة عشيقا شابا وسيما كان أبو سفيان دميما قصيرا فدعته هند إلى نفسها وقالوا إن عتبة ابن أبي سفيان أيضا كان من أبي الصباح انتهى وأما ما نقله المصنف في شأن زياد عليه اللعنة فقد وافقه العلامة فطب الدين الشيرازي في كتاب نزهة القلوب حيث قال أولاد الزنا نجب لأن الرجل يزني بشهوته ونشاطه فيخرج الولد كاملا وما يكون من الحلال فمن تصنع الرجل إلى المرأة ولهذا كان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان من دهاة الناس ثم ساق الكلام في بيان نسبهما على وجه ذكر في كتاب ربيع الأبرار ثم زاد على ذلك وقال ومنهم زياد بن أبيه وفيه يقول الشاعر شعر ألا أبلغ معاوية بن حرب مغافلة من الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عسف وترضى أن يكون أبوك زان هذا واعتراض هذا الناصب متوجه على الزمخشري والعلامة الشيرازي والجواب الجواب على أنه يكفي في احتجاج المصنف كون الكلبي من حزب المروانية الملتزمين بذيل دولتهم الداخلين في جماعتهم كما علم من صحاح التواريخ ولهذا قال المصنف مشيرا إليه بقوله فانظر إلى هذا الرجل إلى آخره فافهم وأما إنكار الناصب لعد أهل السنة معاوية إماما وخليفة فخلف باطل لا أدري من أين حصل له الحياء الذي حمله على إنكار خلافته خلافا على أصحابه وذلك لأن مختار جمهور أهل السنة والجماعة الذين هم في الحقيقة أهل سنة معاوية وجماعته إنه خليفة حق وإمام صدق والمخالف منهم شرذمة قليلة كما حققه ابن حجر المتأخر في صواعقه حيث حقق صحة خلافته ورد على أدلة من استدل على خلافة نعم غاية ما ذهب إليه جمهورهم إنه لم يكن في أيام علي (ع) خليفة وأما بعده فقد قالوا بأنه صار إماما وخليفة لأن البيعة قد تمت له أكثر ممن سبقه ومن جملة ما ذكره ابن حجر فذلكة لما حققه سابقا قوله فالحق ثبوت الخلافة لمعاوية من حين تسيلم الحسن الأمر إليه فإنه بعد ذلك خليفة حق وإمام صدق ثم ساق على طبق ذلك أحاديث في حقية دولة الأموية فليطالع هناك قال المصنف رفع الله درجته ومنا أن رسول الله (ص) دعا عليه روى مسلم في الصحيح عن ابن عباس قال كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله (ص) فتواريت خلف باب قال فخطاني في خطوة وقال اذهب فادع لي معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل فقال لا أشبع الله بطنه وقال حسن بن المثنى قلت ما معنى قوله خطاني فقال وفدني وفدة فلو لم يكن عنده معاوية من أشد المنافقين لما دعا عليه لأنه كما وصفه الله تعالى بأنك لعلى خلق عظيم وقال في حقه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فلعلك باخع نفسك على آثارهم ومن يقارب قتل نفسه على الكفار كيف يدعو على مسلم عنده وقال الله تعالى له أن تستغفر لهم سبعين مرة فقال والله لأزيدن على السبعين وقد ورد في تفسير إنك لعلى خلق عظيم إن النبي (ص) كان كلما آذاه الكفار من قومه قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون فلو لم يكن عنده منافقا لكان يدعو له ولا يدعو عليه وكيف جاز لمعاوية أن يعتذر بالأكل مع أنه (ص) قال لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله وولده حتى دعى عليه النبي (ص) مع أنه ما ينطق عن الهوى فيكون الدعاء بإذن الله تعالى ومنها أنه خاصم عليا (ع) وقتل جمعا كثيرا لا تحصى من المسلمين وأدخل الشبهة على أكثر الباقين مع أن الأمر لعلي (ع) بالإجماع عندهم ومبايعة المسلمين والنص من النبي (ص) واستحقاقه بواسطة العصمة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول من الأمور المقررة عند العلماء أن رسول الله (ص) قال انما أنا بشر يعرضني ما يعرض للبشر وقد سألت الله تعالى إن كل دعوة أدعوها على أحد من المسلمين يجعلها الله تعالى رحمة ومغفرة له وهذا من المعلومات بين العلماء والإجماع واقع على أن النبي (ص) دعا على بعض المسلمين كما قال لمعاذ ثكلتك أمك وقال لأم سلمة تبت يمينك وقال لسودة قطع الله يدك وقال لصيغة عقري حلقي وغيرها من الدعوات ولأجل هذا سأل من الله تعالى أن يجعلها رحمة لمن دعا عليه فما ذكر أن رسول الله (ص) لا يدعو إلا على منافق وهذا باطل بإجماع العلماء وأما ما ذكر أنه كيف جاز لمعاوية أن يعتذر بالأكل فلم يصح أنه اعتذر ولم يجئ وربما رآه ابن عباس مشغولا بالأكل فلم يذكر أن رسول الله (ص) يطلبه وظاهر الحديث يدل على هذا هكذا قال العلماء وأنا أقول إثر دعوة النبي (ص) إنه أكل جميع الدنيا ولم يشبع من الخلافة والملك حتى ووري في التراب ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب انتهى وأقول ما عده من الأمور المقررة عند علماء أهل السنة افتراء محض عند علماء الإمامية مخل بعصمة النبي (ص) وقد سبق تحقيق ذلك في مسألة عصمة النبي (ص) وفي مطاعن عمر عند ذكر المصنف لقوله إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله فتذكر وإنما افتروا ذلك على النبي (ص) ليدفعوا ما يطعن به الشيعة على خلافة أبي بكر في قوله إنما أنا بشر ولست بخير من أحدكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموني أن لي شيطانا يعتريني إلى آخر ما ذكر أنه ابن حجر في أوايل صواعقه والمؤمن العارف بحق رسول الله (ص) وعلو شأنه في تجرده وتقدسه ونوريته وعصمته يعلم أن حاله مخالف لحال البشر في الأمور الدنية الناشية عن الكثافات الجسمانية البشرية وكذا الكلام في تتمة الرواية من أن النبي (ص) قال سألت الله إن كل دعوة إلى آخره لما روى القاضي عياض المالكي في كتاب الشفاء من أنه (ص) دعا على صبي قطع عليه الصلاة أن يقطع الله أثره فاقعد وقال الرجل يأكل عنده بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال لا استطعت فلم يرفعها إلى فيه ودعا على الحكم بن العاص بالاختلاج فلم يزل يختلج إلى أن مات ودعا على الأعرابي الذي جحده بيع فرس وهي التي
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»