إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٧٤
على أن خلقها لهم للتصرف فيها بالملكية ولم لا يجوز أن يكون خلقها للاستنشاق بروايحها والتلذذ بمشاهدتها ولو سلم فنقول إنه تعالى قابل جميع ما في الأرض بجميع من هو مدلول ضمير الجمع في لكم ومقابلة الجمع بالجمع يقتضي مقابلة المفرد بالمفرد والتعيين يستفاد من دليل منفصل بالضرورة والدليل المنفصل لليس إلا البيانات النبوية الدالة على توقف صحة الانتفاع بتلك الأمور على شروط معينة من الإرث والهبة والحيازة ونحوها فكما لا يدل الآية على مطلوب أهل الإباحة لا يدل على مطلوب القايلين بأن الأصل في الأشياء الإباحة وقد اندفع بهذا أيضا ما ذكره في دفع قول الشافعي والمحظور لا ينتهض دليلا للملك إلى آخره بقوله والمحظور لغيره إذا صلح سببا إلى آخره فإن مبناه على أن ما أخذه الكفار محظور لغيره مباح في نفسه للدليل المذكور وقد عرفت ما فيه الرابع إن ما قاله من أن هذه أمور اجتهادية إلى آخره لو سلم فالكلام في أن ما ذهب إليه أبو حنيفة فيها لا يصلح أن يسمى اجتهادا لأنه وسوسة مجردة لو قالها صبي لوقع الياس من فلاحه ولوجب التهيؤ لضربه بالنعل والسوط على إنا لا نسلم اجتهاده كما لم يسلمه أيضا أبو المعالي الجويني في رسالته في تفضيل مذهب الشافعي حيث قال إن أبا حنيفة لم يكن له قدم مترسخ في بعض العلوم الاجتهادية سيما في علم الأصول وعلم الحديث فإن بضاعته كانت فيهما مزجاة وإنما قصارى أمره الرأي والاستحسان وكان ذا فن واحد وكان نبطيا لا عربيا انتهى وأيضا من يجتهد مثل هذا الاجتهاد ويكثر من أمثاله فهو لا يصلح لأن يعد في عداد المبتدئين فضلا عن المتجزئين في الاجتهاد وفضلا عن المجتهدين على الاطلاق كما يدعيه أصحابه له ولو كان هذه اجتهادات وصاحبها مجتهدا لكان جميع العوام المقلدين مجتهدين هذا وقد وافقنا ابن حزم من أهل السنة في التشنيع على نظير هذه الفتاوى حيث قال في بحث اللقطة أن المالكين قالوا إن رجلا قرشيا لو لحق بدار الحرب مرتدا هو وامرأته القرشية مرتدة فولدت هنالك أولادا فإن أولادهم أرقاء مملوكون يباعون وقال الحنفيون إن تلك القرشية تباع وتملك وروى عن أبي القاسم أما عن مالك وأما على ما عرف من أصل مالك أن أهل دار الحرب لو صاروا ذمة سكانا بيننا وبأيديهم رجال ونساء من المسلمين أحرار وحراير أسروهم وبغوا على الإسلام في حال أسرتهم فهم مملوكون لأهل الذمة من اليهود والنصارى يتبايعونهم متى شاؤوا هذا منصوص عنه في المستخرجة ولقد أخبرني محمد بن عبد الله البكري التدميري وما علمت فيهم أفضل منه ولا أصدق عن شيخ من كبارهم أنه يفتي أن التاجر أو الرسول إذا دخل دار الحرب فأعطوه أسيرا من أحرار المسلمين و حرايرهم عطية فهم عبيد وإماءا له يطأ ويبيع كساير ما يملك شاء وجه هذا المفتي ومن اتبعه على هذا انتهى قال المصنف رفع الله درجته كه وقال أبو حنيفة إذا أسلم الحرب وله مال في يده المشاهدة أحرزه فأما أمواله الغايبة عنه أو الأرض والعقار وغيرهما مما لا ينقل ولا يحول فإنه لا يحرزها بل يجوز للمسلمين أخذها وإذا أسلم وله حمل لم ينفصل بعد لم يعصمه بل يجوز استرقاقه مع الأم إذا انفصل ولو انفصل لم يجز استرقاقه وقد خالف قوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لا مخالفة لقوله (ص) فإنه يدل على وجوب الكف عن مال من أسلم من الكفار وعند أبي حنيفة أن مال الكافر بعد الإسلام ما يكون تحت يده المشاهدة وما غاب قبل تصرفه فيه فهو ليس من ماله وإذا لم يكن من ماله فلا يكون معصوما بإسلامه وكذا الحمل الذي لم ينفصل انتهى وأقول العنديات المجردة عن الدليل لا يسمن ولا يغني من جوع ثم لا محصل لقوله وما غاب قبل تصرفه فيه إذ الكلام في المال الذي كان في تصرفه قبل الإسلام وبقي في دار الحرب غائبا عنه وكذا الانفصال عن الكلام في الحمل المنفصل قال المصنف رفع الله درجته كو وقال أبو حنيفة إذا سبي الزوجان الحربيان وملكا لم ينفسخ النكاح وقد خالف قوله والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم حرم المزوجات واستثنى من ذلك ملك اليمين ولأن سبب نزول الآية دل عليه روى أبو سعيد الخدري قال بعث رسول الله (ص) سبرته قبل الأوطاس فغنموا نساء فتأثم ناس من وطيهن لأجل أزواجهن فنزل قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم نزلت في بيان المزوجات إذا سبين وملكن انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول الآية لا يدل على خلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة فإنه من شأن نزوله يعلم أن الأزواج لم يسبوا معهن وكلام أبي حنيفة فيما إذا سبي الأزواج معهن ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة إن النكاح لو لم يكن باقيا بينهما فلو أسلما معا لم يجز إقرارهن على النكاح والحال أنهما لو أسلما معا يبقى النكاح بينهما كما كان ثم الآية يدل على بقاء النكاح لأن استثناء المملوكة باليمين من المحصنات والمراد منها المزوجات فيجب أن يكون المستثنى منه محصنة بالتزوج ولا يكون محصنة بالتزوج إذا حكمنا بفسخ النكاح انتهى وأقول يتوجه عليه أن الآية عامة شاملة للصور التي حكم فيها أبو حنيفة بخلاف الشرع وخصوص السبب لا يوجب تخصيص العام كما تقرر في الأصول على أن ما ذكره في شأن النزول من قول الراوي لأجل أزواجهن لا ينفي عدم سبي أزواجهن معهن بل الظاهر منه سبيهم معا وأما ما ذكره في وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة فغير متجه لأن بقاء النكاح بينهما عند إسلامهما مسألة إجماعية قد شرعت لأجل حرمة الإسلام وترغيب الكفار إلى الدخول فيه بخلاف الصورة التي وقع فيها الخلاف وأما ما استدل به على بقاء النكاح بينهما من قوله لأن استثناء المملوكة باليمين من المحصنات إلى آخره فظاهر البطلان لبطلان المقدمة المأخوذة فيه القائلة بأن المرأة لا تكون محصنة بالتزوج إذا حكمنا بفسخ النكاح وذلك لأن الاحصان حفظ الفرج عن الأجنبي بسبب التزوج والمرة المزوجة المسبية كان يصدق عليها أنها كانت ممن أحصنت فرجها بالتزوج وإن لحقها فسخ الزوجية وبالجملة الاتصاف بالإحصان كان قبل السبي والفسخ بعده فلا منافاة بينهما قال المصنف رفع الله درجته كز وقال أبو حنيفة يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان من العجم دون العرب وقال مالك يجوز أخذها من جميع الكفار إلا من مشركي قريش وقد خالفا قوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب من غير استثناء ثم قال قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية وخص أهل الكتاب بالجزية دون غيرهم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن الجزية لا يؤخذ إلا
(٤٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 ... » »»