رفع الله درجته وذهبت الإمامية إلى أنه إذا حلف لا سكنت هذه الدار وهو فيها فانتقل بنفسه برأ في يمينه وإن لم ينقل المال والعيال وقال مالك السكنى بنفسه وبالعيال دون المال وقال أبو حنيفة بنفسه وبالعيال وبالمال وقد خالفا قول الله تعالى ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيتا غير مسكونة فيها متاع لكم أخبر بأن من ترك المتاع وخرج عنها فهي غير مسكونة وعند أبي حنيفة أنها مسكونة وقال الله تعالى ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع أسكن زوجته وولده في المكان فقال أسكنت فإن لم يكن ساكنا معهم وقال أسكنت ولم يسكن هو معهم ثبت أنه ساكن في مكان آخر وإن كان عياله وولده في غير ذلك المكان انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو حلف أن لا يسكن هذه الدار وخرج وترك فيها أهله ومتاعه لم يحنث ولو حلف لا يسكن دارا فانتقل إليها منفردا بلا أهل ومتاع حنث لأن السكون يحصل بسكون نفسه لا الانتقال بالأهل والعيال ووجه ما ذهب إليه مالك أنه محمول على السكون التام والعرف لا يسمي المنتقل بغير العيال ساكنا وزاد أبو حنيفة المال لأن كمال السكون يحصل بنقله والآية لا يكون حجة على أبي حنيفة لأن أبا حنيفة لم يرد نقل جميع الأموال ولا يدعي أن كل دار فيها مال لأحد يكون مسكونا لصاحب المال حتى يكون الآية حجة عليه والحاصل أنه يقول كل دار مسكونة للشخص يجب أن يكون فيها شئ من ماله ولا ينعكس كلية حتى يلزمه أن يقول كل دار فيها مال يجب أن يكون مسكونة والعجب أن هذا الرجل لا يفرق بين أمثال هذا وهو يدعي أنه عالم بالمعقولات وكذا الآية الثانية لا يصير حجة على مالك بهذا الوجه انتهى وأقول ما ذكره من أن أبا حنيفة لم يرد نقل جميع الأموال إلى آخره توجيه بما لا يرضى به صاحبه فإن عبارة الوقاية صريحة فيما ذكره المصنف حيث قال وفي لا يسكن هذه الدار لا بد من خروجه بأهله ومتاعه حتى يحنث بوتد بقي انتهى فظهر أن ما زعمه الناصب من باب تدقيقه في المعقولات غير معقول قال المصنف رفع الله درجته ز ذهبت الإمامية إلى أنه لو حلف لا يدخل دارا فصعد سطحها لم يحنث وقال أبو حنيفة يحنث وقد خالف العرف إذ يقال لمثل هذا صعد السطح ولم يدخل الدار ولأن السطح حاجز كالحائط ولو وقف على الحائط لم يحنث ولأنه لو حلف لا يدخل بيتا فدخل غرفة فوقه لم يحنث والسطح كذلك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو حلف لا يدخل الدار حنث بالحصول في عرصتها أو أبنيتها من الغرف وغيرها حتى الدهليز ولا يحنث بصعود سطحها من الخارج وإن كان محوطا ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أنه من جملة الدار والغرفة لا شك أنها من بناء الدار فيحنث بدخلوها انتهى وأقول لا يخفى أن المفهوم عرفا من الدخول في الدار الانتقال من خارجها إلى داخلها فيحنث بالحصول في عرصتها وفي أبنيتها من البيوت والغرف وغيرها سواء دخلها من الباب المعهود أم من غيره ولا من السطح على الأصح لا بالصعود على السطح بالتسلق من خارج بسلم أو من دار الجار وما ذكره الناصب في وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن السطح من جملة الدار إن أراد به أنه من جملة أجزأ حقيقته المركبة فهو مسلم ولا يجدي نفعا لأن الجدار أيضا من جملة أجزائها مع أن الوقوف عليه لا يسمى دخولا فيها بالاتفاق وإن أراد أنه من جملة أجزائه التي يتحقق بتلبسها الدخول في الدار عرفا فهو مم لظهور أن الأجزاء التي يتحقق الدخول بتلبسها فيها إنما هي العرصة والبيوت والغرف ونحوها كما أسبقناه لا السطح والجدران وقد اتفقوا على أنه لو وقف على الجدار لم يحنث فكذا السطح المماثل له في الحكم عرفا وأما ما ذكره الناصب من أن الغرفة لا شك أنها من الدار فيحنث بدخولها فكلام واه لا ارتباط له بكلام المصنف لأن المصنف لم يقل أن الغرفة خارجة عن الدار حتى يعترض عليه لا شك أنها من بناء الدار الخ بل قال إنها خارجة عن البيت ليستدل من خروجها عن البيت على خروج السطح عن الدار لاتحادهما في الحكم كما مر وأين هذا من ذاك قال المصنف رفع الله درجته ح ذهبت الإمامية إلى أنه إذا حلف لا يشم وردا فشم دهنه لم يحنث وقال أبو حنيفة يحنث وقد خالف العرف لأن الدهن لا يسمى وردا وقال إذا حلف لاضرب زوجته فعضها أو نتف شعرها يحنث وهو خلاف العرف وقال لو حلف لا يأكل أدما لم يحنث بأكل اللحم المشوي والمطبوخ وقد خالف العرف وقول النبي (ص) سيد الأدم اللحم وقال لو حلف أن يمشي إلى مسجد النبي (ص) أو مسجد الأقصى أو قبور الأئمة (ع) لم يجب عليه الوفاء به وقد خالف قوله تعالى يوفون بالنذر وقال إذا نذر أن يصوم يوم الفطر انعقد نذره ويصوم يوما غير يوم الفطر فإن صامه عن نذر صح وأجزائه عن نذره وقد خالف الاجماع على أن الصوم يوم العيد معصية ولا نذر في معصية انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن الأيمان يحمل على اللفظ دون المقصود ولو قال لا أكل الحنطة لم يحنث بالخبز والعجين والدقيق والسويق وكذا القياس في دهن الورد وشمه وكل ما نقل من أبي حنيفة في هذا الفصل فبعضه محمول على اعتبار العرف فيه وأنه اعتبره على وجه فهم هو من العرف وبعضه قد مر جوابه فيما سبق في باب النذر والصوم انتهى وأقول يتوجه عليه أن عرف الكوفة والعراق لا يخالف عرف الحجاز وغيره من المواضع في ذلك وأمر العرف ليس بحيث يفهم منه كل أحد غير ما يفهمه الآخر فعلم أن الخلل كان في فهم أبي حنيفة وعقل الناصب الذي تمحل في إصلاح كلامه وأما ما ذكره في باب النذر والصوم سابقا من الجواب فقد مر أنه خال عن الصواب قال المصنف رفع الله درجته الفصل السابع عشر في القضاء وتوابعه وفيه مسايل الأولى ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز أن يتولى القضاء العامي وقال أبو حنيفة يجوز وقد خالف قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والعامي إذا حكم بالتقليد حكم بغير ما أنزل الله انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي يشترط أن يكون القاضي مجتهدا ولا يجوز تولي القاضي الذي ليس بمجتهد إلا عند الضرورة ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أنه يسئل العلماء ويحكم ولا يلزم مخالفة النص لأن العامي إذا سأل العالم وحكم بما علم من العالم لا يلزم أن يكون حاكما بغير ما أنزل الله لأنه يحكم بما علمه العالم بحكم الله فيكون حاكما بما أنزل الله و هذا من غرايب الاستدلالات انتهى وأقول في كلام الناصب إجمال وإخلال لأنه إن أراد بالسؤال عن العالم السؤال عن المقلد المطلع على أقوال المجتهدين فلانم؟ أن يكون اطلاعه على ذلك علما بالحكم حتى يكون السائل عنه الحاكم بما أخذه منه حاكما بما أنزل الله سيما وقد جان عليه خطأه
(٤٧٨)