مؤمنون قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وقوله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو حلف أن لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما اختلف في أنه يمين طاعة أو كراهة والأصوب أنه يختلف باختلاف الناس وقصودهم فمن قصد كف النفس عن التلذذ بالمباحات لئلا يسترسل في الميل إلى الحظورات ففي حقه يمين طاعة ومن قصد تحريم ما أحل الله أو التنزيه عما جعل الله له فيه مساغا ففي حقه يمين كراهة وعلى هذا يحمل مذهب أبي حنيفة والآيات ليست بحجة عليه لأنه تفيد الإباحة وهو لا يقول بعدم إباحة الطيبات في حد ذاته بل التلذذ المصاحب إلى الوقوع في المحظورات عنده مكروه فلا حجة عليه فيها انتهى وأقول ليس المراد من التحريم في الآية مجرد اعتقاد حرمة الطيبات بل ما يعمه وكف الناس عن التلذذ بها كما يدل عليه شأن نزول الآية وما صرح به المفسرون من أن في الآية دلالة على أن الترهب والتقشف ليس من سنن هذه الشريعة بل من سننها تناول الطيبات والمستلذات المحللة فلا تفيد الترديد الذي أتى به الناصب المردود وحكم بكونه أصوب وأما قوله إن الآيات لا تفيد إلا الإباحة فمدفوع بما ذكرنا من أنه يفيد ندبية الطيبات ولا أقل رجحان فعلها ولا ينعقد اليمين على ترك المندوب والمباح الذي يكون فعلى أولى فتدبر قال المصنف رفع الله درجته ب ذهبت الإمامية إلى أنه إذا قال أسئلك بالله أو أقسم عليك بالله لم يكن يمينا وإن أراد به اليمين وقال الشافعي إذا أراد به اليمين صار يمينا وانعقدت على فعل الغير فإن أقام الغير عليها لم يحنث وإن خالف حنث الحالف ولزمته الكفارة وقال أحمد الكفارة على المحنث دون الحالف وقد خالف العقل الدال على أصالة البراءة وعلى عدم تعلق يمين الغير بفعل غيره فإن الفاعل مختار في فعله انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو قال لآخر أسئلك بالله أو أقسم بالله أو أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا وقصد به الشفاعة أو يمين المخاطب فليس بيمين وإن قصد يمين نفسه كان يمينا وإن أطلق كان شفاعة واستحب أبرار المقسم فإن لم يفعل وحنث لزم الكفارة والذي يلزمه الكفارة وهو الحالف لا المحلوف عليه خلاف لأحمد وأي مخالفة في هذا للعقل انتهى وأقول مخالفة ذلك للعقل السليم ظاهرة لأنه إذا قال لغيره أسئلك بالله لتفعل أو أقسم عليك ونحو ذلك ويسمى يمين المفاسدة فالعقل الحاكم بأصالة البراءة وإناطة المسببات بأسبابها الظاهرة يقضي بعدم انعقاد ذلك في حقه ولا في حق القايل أما في حقه لأنه لم يوجد منه لفظ ولا قصد وأما في حق القائل فلأن اللفظ ليس صريحا في القسم لأنه عقد اليمين لغيره لا لنفسه نعم يستحب للمخاطب ابراره في قسمه لما رواه البراء بن عازب أن النبي (ص) أمر بسبع بعيادة المريض واتباع الجنايز وتسميت العاطس ورد السلام و إجابة الداعي وإبرار القسم ونصر المظلوم وإذا لم يفعل فلا كفارة على أحدهما وبالجملة قول الشافعي إنه إن قصد به يمين نفسه كان يمينا مقدمة ممنوعة لا بد لبيانها من دليل وكذا قوله وإن أطلق كان شفاعة وإن لم يتعلق غرضنا ههنا بنفيه وإثباته فتدبر قال المصنف رفع الله درجته ج ذهبت الإمامية إلى أن لغو اليمين أن يسبق لسانه إليها من غير أن يعقدها بقلبه كأنه إذا أراد أن يقول بلى والله فسبق لسانه إلى قوله لا والله ولا يجب بها كفارة وقال أبو حنيفة يجب وقد خالف قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو سبق لسانه إلى اليمين ولا قصد كقوله عند غضب أو لجاج أو عجلة أو صلة كلام لا والله وبلى والله فلا كفارة وكذا لو كان يحلف على شئ فسبق لسانه إلى غيره ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أنه محمول على حال القصد انتهى وأقول هب أن وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أنه حمله على حال القصد لكن هذا الحمل من باب حمل ما يدل على أحد الضدين على الضد الآخر لأن سبق اللسان المفسر به بيمين اللغو صريح في عدم القصد فلا يبقى تحت مدلوله ما يعتبر فيه القصد حتى يحمل كلام أبي حنيفة عليه فيكون الحمل فاسدا كما ذكرناه وقد ورد ذلك في الهداية وشرح الوقاية بأن الفعل الحقيقي لا يعدمه السهو والإكراه وكذا الاغماء والجنون فيجب الكفارة بالحنث كيف ما كان انتهى وفيه ما فيه قال المصنف رفع الله درجته د ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجزي في الكسوة الخف ولا القلنسوة وقال الشافعي يجزي وقد خالف قوله تعالى أو كسوتهم ولا قال لمن أعطى غيره قلنسوة إنه كساه وكذا الخف انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يجزي المرقع والمكعب والدرع والنعل والجورب والخف والقلنسوة والمنطقة والخاتم والتكة فما نقل عن المذهب فهو على دأبه على الافتراء في المذهب و قول إن المصنف نقل أصل مذهب الشافعي لا المفتى به في المذهب بين أصحابه حتى يكون افتراء على المذهب وقد نسب ابن حزم القول بأجزاء القلنسوة في كفارة اليمين إلى الشافعي والأوزاعي وسفيان الثوري وأبي سليمان واختاره هو أيضا واستدل عليه بما روي عن عمران بن الحصين أن رجلا سئل عن الكسوة فقال له عمران أرأيت لو أن وفدا دخلوا على أميرهم فكسا كل واحد منهم قلنسوة قال الناس إنه قد كساهم انتهى ولعل مراد المصنف أيضا نسبة الشافعي إلى القول بأجزاء القلنسوة فقط لا بكل من الخف والقلنسوة ولهذا آخر ذكرها عن الخف ووحد الضمير وقال يجزي ولم يقل يجزيان هذا ولا يخفى ضعف استدلال ابن حزم بما رواه عن عمران لأن قول الصحابي بمجرد كونه صحابيا ليس بحجة كما مر تحقيقه في مباحث الأصول قال المصنف رفع الله درجته ه ذهبت الإمامية إلى أنه إذا قال لا سكنت هذه الدار حنث بأقل مدة بعد اليمين وقال مالك لا يحنث إلا إذا أقام يوما وليلة وقد خالف العرف في ذلك والأيمان مبنية على العرف اللغوي أو العرف الاصطلاحي أو الشرعي والكل معنا انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن المرجع في البر وفي الحنث اتباع اللفظ وقد يتطرق إليه التقييد والتخصيص بالبينة فإن كان له معنيان أو أكثر ونوى واحدا منهما حمل عليه وإن أطلق رجح بالحقيقة ثم بالمتعارف ولو حلف لا يسكن هذه الدار أو القرية أو البلدة أو لا يقيم فيها وهو عند الحلف فيها ومكث ساعة بلا عذر حنث وإن أخرج أهله ومتاعه ووجه ما ذهب إليه مالك إن السكون والإقامة لا يحصل إلا بزمان معتد به وأقله اليوم والليلة انتهى وأقول القول بعدم حصول السكون بزمان معتد به أقله اليوم والليلة مكابرة ظاهرة وعطف الإقامة على السكون في بيان الوجه تلبيس ظاهر إذ الكلام في السكون لا في الإقامة التي يتبادر منه السكون زمانا يعتد به قال المصنف
(٤٧٧)