من اليهود والنصارى والمجوس لأن عمر لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله (ص) أخذ الجزية من مجوس هجر وإن صح ما روي عن مالك وأبي حنيفة فإنهم لا يجعلون شرط أخذ الجزية كونه كتابيا أو من له شبهة كتاب كالمجوس بل يجعلون أمنا لكل من طلب الذمة والآية لا يكون حجة عليهم لأنها نازلة في شأن أهل الكتاب وجواز أخذ الجزية عنهم لا ينفي جوازه عن غيرهم ودليل أبي حنيفة ومالك على أخذ الجزية من غير أهل الكتاب ما روي في الصحاح عن بريدة قال كان النبي (ص) إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه وقال إذا لقيت عدوك فادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم فإن أبوا فعليهم الجزية فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وهذا يدل على جواز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لأن النبي (ص) لم يبعث السرايا إلى أهل الكتاب إلا نادرا وأكثر سراياه كانت مبعوثة إلى المشركين انتهى وأقول إن التشكيك الذي دل عليه بقوله إن صح مجرد مكابرة كما فعله في غيره من المسايل التي نقلها المصنف في هذا الكتاب كيف وقد صرح في أوايل باب الجزية من كتاب الهداية الذي ينقل الناصب عنه في جرحه هذا أنه يوضع الجزية على عبدة الأوثان من العجم وفيه خلاف للشافعي فإنه يقول إن القتال واجب لقوله تعالى وقاتلوهم إلا إنا عرفنا جواز تركه في حق أهل الكتاب بالكتاب وفي حق المجوس بالخبر فبقي من ورائهم على الأصل ولنا أنه يجوز استرقاقهم فيجوز ضرب الجزية عليهم إذ كل واحد منهما يشتمل على سلب التنفس منهم إلى آخره ويشهد بصحة ما نقله المصنف عن أبي حنيفة ومالك معا كلام ابن حزم في كتاب الجهاد من المحلى حيث قال ولا يقبل من كافر إلا الإسلام أو السيف الرجال والنساء في ذلك سواء حاشا أهل الكتاب خاصة وهم اليهود والنصارى والمجوس فقط وإنهم إن أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار وقال أبو حنيفة ومالك أما من لم يكن كتابيا من العرب خاصة فالقتل أو السيف وأما الأعاجم فالكتابي وغيره سواء ونقر جميعهم على الجزية وهذا باطل لقول الله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وقال تعالى وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فلم يخص تعالى عربيا من أعجمي في كلا الحكمين وصح أنه (ع) أخذ الجزية من مجوس هجر فصح أنهم من أهل الكتاب ولولا ذلك ما خالف رسول الله (ص) كتاب ربه فإن ذكروا ما روي عن النبي (ص) من قوله إنما أريدهم على كلمة تدين لهم العرب ثم يؤدي إليكم العجم الجزية فلا حجة لهم في هذا لأنهم لا يختلفون في أن أهل الكتاب من العرب يؤدون الجزية وأن من أسلم من العجم لا يؤدون الجزية فصح أن هذا الخبر ليس على عمومه وأنه (ع) إنما عنى بأداء الجزية بعض العجم لا كلهم و يبين الله تعالى من هم وأنهم أهل الكتاب فقط وقالوا قال تعالى لا إكراه في الدين فقلنا أنتم أول من يقول إن العرب الوثنيين يكرهون على الإسلام وإن المرتد يكره على الإسلام وقد صح أن النبي (ص) أكره مشركي العجم على الإسلام فصح أن هذه الآية ليست على ظاهرها وإنما هي فيما نهانا الله تعالى أن نكرهه وهم أهل الكتاب خاصة انتهى كلامه وأما ما ذكره الناصب من أن الآية لا تكون حجة عليه لأنها نازلة في شأن أهل الكتاب وجواز الجزية عنهم لا ينفي جوازه عن غيرهم فمدخول بأن ما وقع في الآية من قوله من الذين أوتوا الكتاب تخصيصا بعد تعميم يدل دلالة قطعية على نفي الجواز عن غيرهم نعم لو كان الواقع في الآية مجرد التخصيص الذكري بأن قال تعالى قاتلوا أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية لما دل جواز أخذ الجزية عنهم حينئذ على نفي جوازه عن غيرهم وليس فليس وأما ما نقله الناصب من رواية الصحاح فظني أنه من موضوعاته أو محرفاته وعلى تقدير صحته لا يدل على مطلوبه لجواز أن يكون الحكم فيه محمولا على أهل الكتاب الذي سلم الناصب بعث السرايا إليهم نادرا مع أن الحكم بالندرة أيضا من مكابراته التي ارتكبها ترويجا لمرامه فتأمل قال المصنف رفع الله درجته الفصل الخامس عشر في الصيد وتوابعه وفيه مسائل ا ذهبت الإمامية إلى أنه إذا ترك التسمية عمدا عند الذبح لم يحل له أكله وقال الشافعي يجوز وقد خالف قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وهذا نص انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يشترط التسمية في الذبح ولا النية ويستحب تسمية الله تعالى عند الذبح والآية ليست محجة عليه لأن المراد من هذا على ما فسره ابن عباس الميتة فإن الميتة يصدق عليها أنه لم يذكر اسم الله عليها لأنه مات حتف أنفه وإلى هذا ذهب ابن عباس واختاره الشافعي ثم ما اختاره من المذهب أن ترك التسمية عمدا يوجب الحرمة فالحجة عليه الآية لأن المتروك عليه التسمية سهوا يصدق عليه أنه لم يذكر اسم الله عليه فكيف يحكم بحليته انتهى وأقول لا نسلم رواية ابن عباس في شأن نزول الآية شيئا من ذلك فضلا عن ذهابه إليه وإنما المسلم روايتهم عنه أنه قال إن الكفار كانوا يقولون تأكلون ما تقتلونه ولا تأكلون ما يقتله الله ولم يدعو تفسير ابن عباس الآية بذلك كما يرشد إليه النظر في تفسير فخر الدين الرازي لهذه الآية وأما ما زعمه الناصب من قلب الاحتجاج بالآية علينا فمردود بأن الآية وإن دلت على تحريم متروك التسمية سهوا أيضا ولهذا ذهب إليه داود وأحمد لكن رعاية الجمع بين الدليلين اقتضى تخصيص الآية المذكورة بمتروك التسمية عمدا والدليل الدال على التخصيص قوله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به وقوله في آخر الآية المذكورة وإنه لفسق فإنه لإخراج الناسي من الحكم لأن النسيان ليس فسقا كما لا يخفى وقوله (ع) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا فيه وقد روى الحنفية في ذلك حديثا صريحا في تخصيص متروك التسمية نسيانا بالحل وأيضا يجوز صلاة من تكلم ناسيا وصوم من أكل فيه ناسيا فما الفرق قال المصنف رفع الله درجته ب ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز أكل ما صاده شئ من الجوارح إلا بعد تذكيته وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يجوز بجميع ذلك إذا أمكن تعليمه و قال أحمد يجوز بالجميع إلا الكلب الأسود البهيم وقد خالفوا قوله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجوز أكل ما صاده الجوارح إذا كانوا معلمين ولا يجب التذكية بل إرسال الكلب بشرايطه إذا كان معلما كاف في الحلية والدليل على ذلك ما روى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال قال لي رسول الله (ص) إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه فإن أمسك عليك فأدركته فاذبحه و إن أدركته ميتا قد قتل ولم يأكل منه فكله وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره
(٤٧٥)