المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ٢٣
قال الملك: دعوا هذا الكلام، وتكلموا حول موضوع آخر.
قال العباسي: إن الشيعة يقولون بتحريف القرآن.
قال العلوي: بل المشهور عندكم - أيها ألسنة - أنكم تقولون بتحريف القرآن!
قال العباسي: هذا كذب صريح.
قال العلوي: ألم ترووا في كتبكم أنه نزلت على رسول الله آيات حول (الغرانيق) ثم نسخت تلك الآيات وحذفت من القرآن؟
قال الملك (للوزير): وهل صحيح ما يدعيه العلوي؟
قال الوزير: نعم هكذا ذكر المفسرون (1).
قال الملك: فكيف يعتمد على قرآن محرف؟
قال العلوي: اعلم أيها الملك أنا لا نقول بهذا الشئ وإنما هذه مقالة أهل السنة، وعلى هذا فالقرآن عندنا معتمد عليه لكن القرآن - عند السنة - لا يمكن الاعتماد عليه!
قال العباسي: وقد وردت بعض الأحاديث في كتبكم وعن علماءكم؟
قال العلوي: تلك الأحاديث أولا: قليلة، وثانيا: هي موضوعة ومزورة وضعها أعداء الشيعة لتشويه سمعة الشيعة، وثالثا: رواتها وأسنادها غير صحيحة، وما نقل عن بعض العلماء، فلا يعتمد على كلامهم، وإنما علماؤنا العظام الذين نعتمد عليهم لا يقولون بالتحريف ولا يذكرون كما تذكرون أنتم حيث تقولون إن الله أنزل آيات في مدح الأصنام فقال - وحاشاه ذلك - تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى (2).

(١) قال السيوطي: أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر من طريق بسند صحيح عن سعيد بن الجبير قال: قرأ النبي (ص) بمكة (والنجم) فلما بلغ (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى. فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم. فسجدوا وسجد فنزلت الآية. وقصة الغرانيق مشهورة عند المفسرين والمؤرخين. وقد استعرضها بالشرح والبيان ابن حجر العسقلاني. وقصة الغرانيق في فتح الباري شرح البخاري ج ٨ / ٣٥٤ - ٣٥٥..
(٢) توجد الكثير من الروايات لدى السنة والشيعة تشكك في القرآن وتتحدث عن زيادته ونقصانه وتثير الشبهات من حوله غير أن الشيعة يتبرأون من هذه الروايات ولا يعتمدونها سيرا مع قاعدة إخضاع الأحاديث للقرآن والعقل التي يعملون بها. أما روايات أهل السنة فقد وردت في كتب الصحاح عندهم خاصة في البخاري ومسلم حيث لا سبيل إلى إنكارها..
وعلى رأس هذه الروايات: يروى عن عمر قوله: كان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها.. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله..
والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن.. (البخاري، كتاب الحدود. باب رجم الحبلى).
أما الآية المزعومة فهذا نصها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة.. انظر سنن ابن ماجة وموطأ مالك.
ويروى كنا نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم..
ويروى عن عائشة قولها: كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات) فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن (انظر مسلم كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات).
ويروى أن أبا موسى الأشعري قال: إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في طول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.. (مسلم، كتاب الزكاة).
وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) (المرجع السابق، باب لو أن لابن آدم واديين).
ويروى عن عائشة: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي (ص) مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن.. (انظر الاتقان في علوم القرآن للسيوطي، باب الناسخ والمنسوخ).
ويروى عن ابن عمر قوله: لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير. ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر (المرجع السابق).
ومثل هذه الروايات كثير في كتب السنن والفقه عند أهل السنة. وهي على ما يبدو من ظاهرها توجب الكفر على من يعتقدها ويتداولها. وتلك الروايات ثابتة صحيحة في نظرهم لورودها في البخاري ومسلم..
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست