قال صاحب الكتاب: " على أن الإمام عرف من قبل الرسول، ولا بد من أول عرفه من قبل الله تعالى، ولا يعلم مراده باضطرار فإذا صح أن يعرف مراده بكلامه ولا ضرورة فمن الذي يمنع من مثله في كل زمان ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأن يوجب أن كل أحد جاهل بمراد الله تعالى ذاهب عن الحق في هذا الزمان، وفي كل زمان كان الإمام مغلوبا عليه فيه فيجب من ذلك الشهادة على الكل بالجهل والكفر وأن يلزمه أن لا يكون هو محقا... " (1).
يقال له: ما قدمته في هذا الفصل يدل على أنك ظننت علينا أن المراد بالكلام إذا لم يعلم (2) ضرورة لم يصح أن يعلم، وأنا نفصل بين القرآن في العلم بالمراد منه وبين كلام الإمام، بأن كلام الإمام يعلم مراده باضطرار، وليس كذلك القرآن، وهذا ظن بعيد وغلط شديد، لأن الذي قلناه وذهبنا إليه هو غير ما ظننته، وإنما أوجبنا في كثير من القرآن والسنة الحاجة إلى مترجم للاحتمال والاشتباه، وفقد الدليل المقطوع به على المراد لا لفقد العلم الضروري ولو كان جميع القرآن والسنة محكما غير متشابه، ومفصلا غير مجمل يصح أن يعلم المراد بهما.
فأما الأول الذي عرف من جهة الإمام أو الرسول وكيفية علمه بمراد الله تعالى فيصح أن يكون يعلم مراده جل اسمه بأن يخاطبه بلغة لا مجاز فيها ولا احتمال، أو يخاطبه بما ظاهره متطابق لحقائق اللغة، ويعلمه أنه لم يرد إلا الظاهر، وليس يمكن أن يدعي في جميع الكتاب والسنة مثل ذلك.