الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ١٧٥
ذكرناه، لأن المنع بالقهر أو الضرب والسب إذا كان مما لا يحسن استعماله مع المخالفين في كثير من الأصول فأولى أن لا يستعمل مع المخالف في الفروع، فمن ادعى أنهم سوغوا الاجتهاد من حيث لم يظهر منهم في المنع عنه أكثر من المناظرة والمحاجة والدعاء والترغيب كمن أدعى أنهم سوغوا الخلاف في الأصول لأنهم لم يتعدوا في كثير منها هذه الطريقة، ومما يؤيد ما ذكرناه من إنكار القوم على من خالفهم ما تظاهرت به الرواية عن ابن عباس من قوله: " من شاء باهلته (1) في باب العول " (2) وقوله: ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الأدب أبا " (3).
ولهذه الأخبار أمثال كثيرة معروفة:
فأما تولية أمير المؤمنين عليه السلام المخالفين له في المذهب فما نعرف من ولاته من يقطع على خلافه له، ولو ثبت ذلك لم يمتنع أن يفعله عليه السلام على وجه الاستصلاح والتآلف، فالظاهر من أحواله عليه السلام أنه في حال ولايته الأمر لم يكن متمكنا من جميع مراداته وقد صرح بذلك بقوله عليه السلام: " أما والله لو ثني‍ [ت] الوسادة لي لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى يزهر (4) كل كتاب من هذه

(١) المباهلة: الملاعنة والاخلاص في الدعاء والمراد أن تنزل لعنة الله على المبطل.
(2) العول: نقصان الفريضة في الميراث، ولا يقول به الإمامية.
(3) يعني يجعل ابن الابن الذي توفي أبوه في حياة جده مشاركا إخوة أبيه في ميراثهم من أبيهم، ولا يجعل جده مشاركا له في ميراث أبيه.
(4) تزهر: تضئ وتتلألأ. وفي نسخة: " تظهر " وهذه الكلمة من كلماته المشهورة، وهي من خطبة خطبها بعد بيعته عليه السلام، وفي رواية ابن أبي الحديد في الحكم المنثورة " لو كسرت لي الوسادة " وفيها " حتى تزهر تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول: " يا رب إن عليا قضى بين خلقك بقضائك ".
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»