الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ١٧٠
العقلاء فيه لتقدم عادة لهم في أمثالهم، أو تجربة، أو سماع خبر من له فيه عادة وتجربة، ولو عروا من جميع ذلك لم يجز أن يغلب ظنونهم في شئ منه، يتبين هذا أن من لم يسافر قط، ولم يسلك طريقا من الطرق ولا سمع بأخبار المسافرين وأحوال الطرق المسلوكة، فلا يجوز أن يظن العطب أو النجاة في بعض الأسفار، وفي سلوك بعض الطرق، وكذلك من لم يتجر قط ولا اتصل به خبر التجارات وأحوال التجارة لا يجوز أن يظن في شئ منها ربحا ولا خسرانا.
وإذا صح ما ذكرناه، وكانت الظنون التي تعلق بها مخالفونا إنما غلبت لاستنادها إلى طرق معلومة ولو قدرنا زوالها لم تحصل تلك الظنون، وكانت جميع الطرق التي تغلب فيها الظنون مفقودة في الشريعة بطل دخول الظن فيها.
فإن قال: هذا يؤدي إلى أن جميع المصححين للاجتهاد من الفقهاء وغيرهم كاذبون فيما يخبرون به من غلبة ظنونهم في الشريعة، ومثل ذلك لا يجوز عليهم مع كثرتهم وتدينهم بمذاهبهم.
قيل له: ليس القوم الذين ذكرتهم كاذبين في وجدانهم أنفسهم (1) على اعتقاد ما، وإنما هم مبطلون في أخبارهم بأنه غلبة ظن والعلم بالفرق بين الاعتقاد والمبتدأ والظن والعلم ليس بضروري، ولا مما يجب أن يعرفه كل أحد من نفسه.
ثم يقال له: ليس ما نقوله من أن الفقهاء وغيرهم من أصحاب الاجتهاد غير ظانين في الشريعة على الوجه الذي تدعونه بأعجب من قولك: إن جميع من خالفك ممن يرى أن الحق في واحد من أهل الاجتهاد

(1) أنفسهم مفعول لوجدان، أي أنهم لم يجدوا أنفسهم كاذبين في ما اعتقدوه.
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»