كناية عن القرآن وإن لم يجر له ذكر لأنه لا يشتبه الحال فيه. قال ابن عباس:
أنزل الله القرآن جملة واحدة في اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم كان ينزله جبرئيل نجوما، وكان من أوله إلى الآخر ثلاث وعشرون سنة.
واختلف العلماء في معنى هذا الاسم وحده، فقيل سميت ليلة القدر لأنها الليلة التي يحكم الله فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر، وهي الليلة المباركة في قوله * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * لان الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة. وفي الخبر عن ابن عباس أنه قال: يقضي القضايا في ليلة النصف من شعبان ثم يسلمها إلى أربابها * (في ليلة القدر) * أي ليلة الشرف والخطر وعظم الشأن، من قولهم رجل له قدر عند الناس: أي منزلة وشرف، ومنه * (ما قدروا الله حق قدره) * أي ما عظموه حق عظمته، وقيل لان للطاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا. وقيل سميت ليلة القدر لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر إلى رسول ذي قدر لاجل أمة ذات قدر على يدي ملك ذي قدر، وقيل لان الله قدر فيها إنزال القرآن، وقيل سميت بذلك لان الأرض تضيق فيها بالملائكة من قوله * (ومن قدر عليه رزقه) * وهو منقول عن الخليل بن أحمد.
ثم قال: واختلفوا في تحقيق استمرارها وعدمه، فذهب قوم إلى أنها إنما كانت على عهد رسول الله ثم رفعت، وقال آخرون لم ترفع بل هي إلى يوم القيامة... إلى أن قال: وجمهور العلماء في أنها في شهر رمضان في كل سنة - انتهى.
وهذا هو الحق يعلم ذلك من مذهب أهل البيت عليهم السلام بالضرورة، ولا خلاف بين أصحابنا في انحصارها في ليلة تسعة.
وفي الحديث (* (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * سورة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته، والوجه في ذلك أنهم هم المخصوصون بتنزل الملائكة عليهم في ليلة القدر دون غيرهم، فنسبت السورة إليهم لذلك.
وفيه (هلك امرؤ لم يعرف قدره) (1)