لسان العرب - ابن منظور - ج ١٤ - الصفحة ٣٠٠
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: أنا برئ من كل مسلم مع مشرك، قيل: لم يا رسول الله؟ قال: لا تراءى ناراهما، قال ابن الأثير: أي يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك ولا ينزل بالموضع الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله، ولكنه ينزل مع المسلمين في دارهم، وإنما كره مجاورة المشركين لأنهم لا عهد لهم ولا أمان، وحث المسلمين على الهجرة، وقال أبو عبيد: معنى الحديث أن المسلم لا يحل له أن يسكن بلاد المشركين فيكون معهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه. والترائي: تفاعل من الرؤية. يقال: تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا. وتراءى لي الشئ أي ظهر حتى رأيته، وإسناد الترائي إلى النارين مجاز من قولهم داري تنظر إلى دار فلان أي تقابلها، يقول ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف تتفقان؟ والأصل في تراءى تتراءى فحذف إحدى التاءين تخفيفا. ويقال:
تراءينا فلانا أي تلاقينا فرأيته ورآني. وقال أبو الهيثم في قوله لا تراءى ناراهما: أي لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله ولا يتخلق بأخلاقه، من قولك ما نار بعيرك أي ما سمة بعيرك. وقولهم: داري ترى دار فلان أي تقابلها، وقال ابن مقبل:
سل الدار من جنبي حبير، فواحف، إلى ما رأى هضب القليب المصبح أراد: إلى ما قابله. ويقال: منازلهم رئاء على تقدير رعاء إذا كانت متحاذية، وأنشد:
ليالي يلقى سرب دهماء سربنا، ولسنا بجيران ونحن رئاء ويقال: قوم رئاء يقابل بعضهم بعضا، وكذلك بيوتهم رئاء.
وتراءى الجمعان: رأى بعضهم بعضا. وفي حديث رمل الطواف: إنما كنا راءينا به المشركين، هو فاعلنا من الرؤية أي أريناهم بذلك أنا أقوياء. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في كبد السماء، قال شمر: يتراءون أي يتفاعلون أي يرون، يدل على ذلك قوله كما ترون.
والرأي: معروف، وجمعه أرآء، وآراء أيضا مقلوب، ورئي على فعيل مثل ضأن وضئين. وفي حديث الأزرق بن قيس: وفينا رجل له رأي. يقال: فلان من أهل الرأي أي أنه يرى رأي الخوارج ويقول بمذهبهم، وهو المراد ههنا، والمحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي يعنون أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر. والرأي: الاعتقاد، اسم لا مصدر، والجمع آراء، قال سيبويه: لم يكسر على غير ذلك، وحكى اللحياني في جمعه أرء مثل أرع ورئي ورئي. ويقال: فلان يتراءى برأي فلان إذا كان يرى رأيه ويميل إليه ويقتدي به، وأما ما أنشده خلف الأحمر من قول الشاعر:
أما تراني رجلا كما ترى أحمل فوقي بزني كما ترى على قلوص صعبة كما ترى أخاف أن تطرحني كما ترى
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»
الفهرست