مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٥١
الروايات التي لا حاجة إلى استقصائها وستمر عليك جملة منها في طي المباحث الآتية إن شاء الله واستدل للقول الاخر بموثقة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال وفي الورق في كل مايتن خمسة دراهم وليس في أقل من أربعين مثقالا شئ ولا في أقل من مأتي درهم شئ وليس في النيف شئ حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد واستدل له أيضا بصحيحة زرارة المروية عن التهذيب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عنده مأة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيها قال لا ليس عليه شئ من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى تتم أربعين والدراهم مأتي درهم وقال قلت فرجل عنده أربعة أنيق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرين بقرة أيزكيهن قال لا يزكي شيئا منها لأنه ليس شئ منهن قد تم فليس تجب فيه الزكاة وفي الحدائق بعد أن نقل الاستدلال له بهذه الرواية قال ما لفظه ويشكل بأن هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه بما هذه صورته قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عنده مأة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أيزكيهما فقال لا وليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى تتم قال زرارة وكذلك هو في جميع الأشياء وقال قلت إلى آخر ما تقدم وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور ولهذا أن المحدث الكاشاني في الوافي إنما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ وقال إن ما في الفقيه هو الصواب إنتهى ما في الحدائق ومما يؤيد وقوع التحريف في رواية الشيخ ولكن من النساخ لا منه إن الشيخ أورد هذه الرواية كما سمعت ولم يتعرض لتوجيهها كما تعرض لتوجيه الرواية الأولى بما ستسمعه فهذا ينبئ عن إن تلك الرواية لم تكن مخالفة لمذهبه وإنما وقع الاشتباه في نقلها وكيف كان ففي المدارك بعد أن نقل احتجاج ابن بابويه لمذهبه برواية الفضلاء قال وهذه الرواية مروية في التهذيب والاستبصار بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال وقيل أنه فطحي لكن روى الشيخ في الصحيح عن زرارة نحو ذلك فإنه قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عنده مأة درهم وتسعة وتسعون درهما ثم ساق الحديث إلى مأتي درهم ثم قال وأجاب الشيخ في التهذيب عن الرواية الأولى بأن قوله عليه السلام ليس في أقل من أربعين مثقالا شئ يجوز أن يكون أراد به دينارا واحدا لان قوله شئ يحتمل الدينار ولما يزيد عليه ولما ينقص عنه وهو يجري مجرى المجمل الذي يحتاج إلى التفصيل قال وإذا كنا قد روينا الأحاديث المفصلة في أن في كل عشرين دينارا نصف دينار وفيما يزيد عليه في كل أربعة دنانير عشر دينار وحملنا قوله عليه السلام وليس فيما دون الأربعين دينارا شئ أنه أراد به دينارا واحدا لأنه متى نقص عن الأربعين إنما يجب فيه دون الدينار فأما قوله في أول الخبر في كل أربعين مثقالا مثقال ليس فيه تناقض لما قلناه لان عندنا أنه يجب فيه دينار وإن كان هذا ليس بأول نصاب وإذا حملنا هذا الخبر على ما قلناه كنا قد جمعنا بين هذه الأخبار على وجه لا تنافي بينها هذا كلامه رحمه الله تعالى ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ويمكن حمل هذه الرواية على التقية لأنها موافقة لمذهب بعض العامة وإن كان أكثرهم على الأول إنتهى ما في المدارك أقول لولا مخالفة الاجماع وأعراض المشهور عن هذه الرواية لكان الجمع بينها وبين غيرها من الروايات المزبورة بحمل الزكاة فيما دون الأربعين على الاستحباب أولى من ارتكاب هذا النحو من التكلفات وإن كان هذا أيضا لا يخلو من إشكال فإن الاخبار بظاهرها متعارضة والمقام مقام الترجيح لا الجمع من الواضح قصور هذه الرواية عن معارضة الروايات المشهورة بين الأصحاب فتوى ورواية من جميع الوجوه فالأولى رد علمها إلى أهله ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مأتي درهم ففيها خمسة دراهم ثم كلما زاد أربعين كان فيها درهم في الجواهر بلا خلاف أجده في شئ من ذلك نصا وفتوى بل الاجماع بقسميه عليه والنصوص يمكن دعوى تواترها فيه أقول وقد تقدم جملة من النصوص الدالة عليها ولا حاجة إلى استقصائها وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة كما ليس فيما ينقص عن المأتين شئ ولو يسيرا كالحبة ونحوها وإن تسومح فيه في المعاملات العرفية لان المسامحة العرفية لا يبتني عليها الأحكام الشرعية إذ الحقيقية في التقدير كونه على التحقيق دون التقريب كما أعترف به في الجواهر ولكن لا يخفى عليك أن المسامحة العرفية قد تكون في الصدق كإطلاق المثقال أو الرطل أو المن أو غير ذلك من أسماء المقادير على ما نقص عنها بمقدار غير معتد به مسامحة كإطلاق المن على ما نقص عنه بمثقال والمثقال على ما نقص عنه نصف حبة مثلا وهذا إطلاق مسامحي مبنى على ضرب من التجوز فهذا مما لا اعتداد به في التقديرات الشرعية الواردة في مقام التحديد كما في قوله عليه السلام ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال فإن مقتضى حمله على حقيقته نفي الزكاة فيما نقص عن العشرين كائنا ما كان ولو أقل قليل وقد تكون في المصداق كاطلاق الذهب على الذهب الردي الغير الخالص عن الاجرام الموجبة لردائته وإطلاق الحنطة على الحنطة الغير النقية على الاجزاء الأرضية وشبهها المستهلكة فيها وهذا النحو من المسامحة موجبة لاندراج الموضوعات تحت مسمياتها عرفا فيكون إطلاق العرف أساميها عليها أطلاقا حقيقيا فيترتب عليها أحكامها وقد تقدم في كتاب الطهارة في مبحث المياه وكذا في التيمم بالتراب مزيد توضيح لذلك فلا حظ ثم إن الظاهر أن أسماء المقادير أسام لأصول مضبوطة محدودة في الواقع بحدود غير قابلة للزيادة والنقيصة فكان جميعها مأخوذة من أصل واحد مثل إن الذراع الجديد الذي وضعه العباسيون لتحديد المسافات أصله ذراع خاص عينه المأمون مثلا لتقدير المساحة وحقة إسلامبول المتعارفة في هذه الاعصار أصلها الحقة التي أرسلوها من إسلامبول إلى ساير البلاد وهكذا ساير المقادير فالعشرون مثقالا الذي هو نصاب الذهب اسم لمقدار خاص لا يصدق حقيقة على ما نقص عن ذلك المقدار ولو بمقدار شعرة وكل فرد من أفراد الذهب أو غيره أما بالغ وزنه هذا الحد أوليس ببالغه وطريق معرفته موازنته بالموازين المتعارفة في البلاد اللاتي يعتمد عليها العرف والعقلاء في تشخيص مقادير الأشياء فلو أختلف الموازين فبلغ ببعضها حد النصاب دون الاخر سقطت الموازين على الاعتبار حيث علم أجمالا بمخالفة أحدهما للواقع ولدى تعذر تحقيق ما هو الحق منهما يجب الرجوع في حكمه إلى ما يقتضيه الأصل وهو براءة الذمة عن التكليف بالزكاة كما حكي القول بذلك عن خلاف الشيخ وتذكرة الفاضل خلافا لما عن غير واحد من الحكم بالوجوب ففي المسالك بعد أن أعترف بأنه لو نقص عن النصاب ولو حبة في كل الموازين لم تجب الزكاة قال وأما لو نقص في بعضها وكمل في بعض أخر وجبت لاغتفار مثل ذلك في
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»