فأنطلق معه إلى أخره ولم يكن عليه بينة ولا يمين في شئ من ذلك كما يدل عليه الروايات المزبورة مضافا إلى أن الزكاة حق متعلق بما في يده وتحت سلطنته وله الولاية على إخراجه وتبديله بالقيمة وصرفه إلى وتخصيصه ببعض دون بعض وليس لاحد معارضته في شئ من ذلك فليس لهذا الحق مستحق خاص كي يسوغ له معارضته في شئ من ذلك ويرفع أمره إلى الحاكم كي يطالبه بالبينة أو اليمين نعم لو علم كذبه وبقاء الحق في ماله كان على الحاكم وغيره الزامه بإخراجه من باب الأمر بالمعروف كإلزامه بفعل الصلاة وغيرها من العبادات أو استيفائه من ماله لدى امتناعه من الاخراج من باب الحسنة وعن الدروس بعد أن حكم بتصديقه في عدم الحول بغير اليمين قال يصدق المالك في تلفها بظالم وغيره بيمينه قيل ولعله لكون الأولى على وفق الأصل دون الثانية ومقتضاه ثبوت اليمين في كل ما كان من هذا القبيل حتى الاخراج وكيف كان فهو ضعيف فإنه لو أمتنع عن اليمين ليس لأحد أن يخرج الزكاة من ماله بعد كون المال في يده وتحت تصرفه وهو يدعي ملكيته وخلوصه عن حق الغير من غير أن يكون في مقابله خصم يدعي كون يده عارية هذا مع أنه لم ينقل الخلاف فيه صريحا من أحد ولو شهد عليه شاهدان بأنه قد حال عليه الحول أو إن المال موجود غير تالف أو أنه لم يخرجها في الوقت الذي يدعيه بحيث تخرج الشهادة عن كونها شهادة على النفي قبلا لعموم حجية البينة حسبما تقرر في محله فهي بمنزلة العلم والرويات المزبورة منصرفة عن مثل الفرض ولكن لا يخفى عليك إن قبول البينة في حول الحول وعدم الاخراج ونحوهما إنما يجدي في جواز الزامه بإخراج الزكاة واستيفائه من ماله إذا علم أو أعترف بثبوت الحق في ماله بالفعل على تقدير كونه كاذبا في دعوى الاخراج أو اختلال شئ من الشروط وإلا فليست البينة أوضح حالا من العلم بكونه كاذبا فيما يدعيه من الاخراج ونحوه وهذا بنفسه لا يسوغ الزامه بدفع الزكاة واستيفائها من ماله ما لم يعترف بثبوت الحق فيه بالفعل أو يعلم من الخارج بكونه كذلك ولا يكفي في ذلك العلم إجمالا بتعلق الزكاة بماله وكونه كاذبا فيما يدعيه من الاخراج أو عدم حول الحول لامكان سقوطها عنه بتلف أو احتسابها من دين أو غير ذلك من الأسباب التي لم يرد أظهارها فاستند إلى دعوى كاذبة تخلصا عن كلفة الجواب وكون ذلك كله مخالفا للأصول غير قادح بعد كون يده حجة شرعين للحكم بكون ما في يده بالفعل ملكا طلقا له وعدم جواز الزامه بدفع شئ منه إلى الغير ما لم يقم بينة على خلافه أو يكون في مقابلة خصم ينكر انتقاله إليه وإذا كان للمالك أموال متفرقة في أماكن متباعدة من أحد الأجناس الزكاتية كان له إخراج الزكاة من أيها شاء كما هو واضح ولعل وجه تخصيصه بالذكر مع استفادته من المباحث السابقة وقوع الخلاف فيه من بعض أهل الخلاف بناء منه على منع إخراج الزكاة عن البلد التي حصلت فيه مع وجود المستحق وفيه إن هذا ليس إخراجا للزكاة التي حصلت فيه مع أن في كبراه نظرا بل منعا كما ستعرفه إن شاء الله ولو كان السن الواجبة في النصاب كبنت المخاض والحقة و التبيع مثلا مريضة أو هرمة أو ذات عوار وباقي النصاب صحيحا فتيا سليما لم يجب على الساعي أخذها بل لا يجوز إلا أن يرى من المصلحة في قبوله كما عرفته فيما سبق وأخذ غيرها مما هي أعلى سنا أو أدنى على التفصيل الذي مر شرحه في مبحث الابدال وقد أشرنا فيما مر إلى أنه لا يتعين على المالك إخراج الفريضة أو بدلها من عين النصاب بل له إخراجها عينا أو قيمة من مال آخر وأما الساعي فليس له استيفائها عينا أو بدلا حتى مع امتناع المالك من أداء الزكاة إلا من النصاب ومن هنا يظهر أنه لو كان ما بلغ النصاب كله مراضا أو هرمة أو ذات عوار لم يكلف شراء صحيحة بل على الساعي أن يقبل منه ما يدفعه إليه من النصاب بالذي تعلق به مما يندرج في مسمى فريضته عينا أو بدلا كما يدل عليه الروايات الواردة في آداب المصدق وما ورد فيها من النهي عن أخذ الهرمة وذات العوار منصرف عما إذا كان النصاب كله كذلك كما أن خروج المريضة والهرمة وذات العوار عن منصرف إطلاق لفظ الفريضة الثابتة في النصاب مثل قوله في كل أربعين شاة شاة أو أربعين بقرة مسنة إن سلمت فهي فيما إذا لم يكن جميع النصاب كذلك وإلا فدعوى انصراف الاطلاقات عن مثل هذا النصاب أولى من دعوى انصراف فريضتها إلى الصحيحة السليمة عن العيب هذا مع أن الحكم في حد ذاته بحسب الظاهر مما لا خلاف فيه بيننا بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن العلامة في المنتهى نسبته إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه ثم حكى عن بعض العامة قولا بوجوب شراء الصحيحة لاطلاق قوله عليه السلام لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار وأجاب عنه بالحمل على ما إذا كان النصاب صحاحا لأنه المتعارف وهو جيد واستدل أيضا للمدعى بأنه هو الذي يقتضيه قاعدة تعلق الزكاة بالعين وكونها على وجه الشركة الحقيقية كما نسب إلى المشهور حيث إن الفقير على هذا لا يستحق إلا كسرا مشاعا في الجميع فإذا كان الجميع مراضا لم يتسحق الفقير إلا جزء منها فكيف يصح إن يكلف المالك بشراء الصحيحة وربما فرعوا على هذا وجوب ملاحظة النسبة بحسب القيمة فميا لو كان نصفه أو ثلثه أو أقل أو أكثر بل واحدة منها مريضة و الباقي صحيحة أو بالعكس وفيه ما عرفت أنفا من أنه ليس لما يستحقه الفقير حد مضبوط وإنما يعرف مقدار ما يستحقه الفقير في النصاب بما فرضه الشارع للفقير في ماله بقوله في أربعين شاة شاة وفي ثلاثين بقرة تبيع حولي وفي ست وعشرين من الإبل بنت مخاض وهكذا فإن قلنا بأن المنساق من هذه الأدلة إنما هو الفرد الصحيح السوي مطلقا فكون النصاب كلها مراضا غير مجد في الاجتزاء بغير الصحيح إذا لا امتناع في إيجاب الشارع في هذا المال حصة شايعة تعادل فردا صحيحا من الفريضة على القول بالشركة كما أنه لا امتناع فيه أيضا على القول بأن الفريضة عين ما يستحقه الفقير وإن إيجابها في النصاب من قبيل استحقاق غرماء الميت حقهم من تركته فالحق ما عرفت من منع الانسياق المذكور بل قد أشرنا فيما سبق من إمكان دعوى القطع في مثل هذه الفروض الخارجة عن المتعارف التي يكون دعوى خروجها عن منصرف إطلاقات النصوص بأن الشارع لم يجعل الزكاة فيها بأكثر من فريضة من صنفها نعم يجب إن لا يكون ما يدفعه صدقة من أدنى الافراد وأشدها مرضا أو أكثرها عوارا بحيث في موضوع النهي الواردة في قوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولا يؤخذ الربى وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما على ما في المتن وغيره بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالاجماع عليه ولكن كثير منهم بعد أن فسروها بذلك قالوا وقيل إلى خمسين يوما ولكنهم لم يسموا قائلة وأما ما ذكروه من التحديد بالخمسة عشر فهو وإن كان معروفا بين الفقهاء ولكنه غير معروف في كلمات اللغويين قال الجوهري على ما حكي عنه الربي على فعلى بالضم التي وضعت حديثا وجمعها رباب بالضم والمصدر رباب بالكسر وهو قرب العهد بالولادة تقول شاة ربي بنية الرباب وأعنز رباب وفي الحدائق بعد أن نسب إلى ظاهر أصحاب الاتفاق على إنه لا يؤخذ
(٤٨)