التكليف بها لدى الجهل بمقدارها ولو بالخرص ولكن لا وثوق بإرادة هذا المعنى من الصحيحة فليتأمل وأما صحيحته الأولى فالظاهر أنه لم يقصد بقوله عليه السلام إذا خرصه أخرج زكاته الخرص المعهود الذي وقته من حين بدو الصلاح وليس هو من شأن كل أحد بل وظيفة الخارص بل المقصود به بحسب الظاهر بيان ثبوت الزكاة في العنب أيضا وعدم اشتراطه بأن يصيره زبيبا فإذا خرصه أي علم ببلوغ يابسه خمسة أوسق بالخرص والتخمين وجب إخراج الزكاة منه فلا تدل هذه الصحيحة إلا على ثبوتها في العنب فإن تم الاجماع على مشاركته مع الحصرم والرطب وغيره مما يقوله المشهور فهو ولكنك عرفت أنه في محل نظر بل منع وعمدة ما يطمح الاستشهاد به لمذهب المشهور ما علم بالتدبر في الآثار والاخبار وكلمات الأصحاب من أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمرتها ليتميز بذلك مقدار الصدقة المفروضة فيها وكان صلى الله عليه وآله يأمر عامله بأن يترك للحارس العذق والعذقين وأن لا يخرص أم جعرور ومعافارة كما ستعرف تفصيله عند التعرض لبيان فائدة الخرص فلو لم يكن حق الفقير متعلقا بها من حين بدو صلاحها الذي هو وقت الخرص لم يكن يترتب على الخرص قبل صيرورتها تمرا فائدة يعتد بها بل كان تعديا وتضييقا على المالك لا عن استحقاق إذ قد لا يجب أن يطلع أحد على مقدار ماله وما صدر عنه من المصارف قبل جفافه كما أنه قد يحب أن يجعل للحارس أكثر من عذقين ولغيره أيضا كذلك أو ينفق جميعها على أهله وعياله وأصدقائه حال كونه رطبا بغير أن يطلع عليه أحد فلو لم يكن المقصود بالخرص تمييز حق الفقير وتضمين المالك به على تقدير صدور مثل هذه التصرفات منه الذي هو فرع ثبوت الحق له بالفعل لوقع الخرص لغوا وما قيل من إمكان أن يكون فائدته الحفظ من الخيانة عند تعلق الحق به أي بعد صيرورته تمرا وزبيبا ففيه بعد الغض عن منافاته لما علم من طريقة الشارع من رعاية حال المالك والارفاق به وقبول قوله في دعوى التلف ونحوه خصوصا بالنسبة إلى ما قبل تعلق الحق بماله إن غاية ما يمكن معرفته بالخرص هو مقدار ما يبلغ ثمرة النخل الموجودة بالفعل على تقدير بقائها سليمة عن الآفات تمرا أو زبيبا عند جفافها و أما أن ثمرتها تبقى ولا يأكلها صاحبها أو يبيعها أو منفقها على غيره حال كونها بسرا أو رطبا فهو شئ لا يمكن معرفته بالتخمين فإنه يختلف باختلاف الاشخاص و الأحوال والأمكنة اختلافا فاحشا غير قابل للانضباط كي يمكن الإحاطة به بالخرص و يسوغ نسبة الخيانة إلى أحاد المالكين لدى تخلف ما يوجد عندهم عما خرص والحاصل أن جواز الخرص الذي ستعرف مساميته عند الفريقين في الجملة من أقوى الأدلة على صحة ما ذهب إليه المشهور من تعلق حق الفقراء بالغلات من حين بدو صلاحها فالقول به مع أنه أوفق بالاحتياط لا يخلو من قوة ووقت الاخراج الذي هو بحيث يسوغ للساعي مطالبة المالك به وإذا أخرها عنه مع التمكن ضمن في الغلة إذا صفت وفي التمر بعد اخترافه وفي الزبيب بعد اقتطافه اختراف التمر بالخاء المعجمة اجتنائه ومثله الاقتطاف للعنب قال في المدارك تبعا للمسالك وفي جعل ذلك وقت الاخراج تجوز وإنما وقته عند يبس التمر وصيرورتها تمر أو زبيبا وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب بل قال في المنتهى أتفق العلماء كافة على أنه لا يجب الاخراج في الحبوب إلا بعد التصفية وفي التمر إلا بعد التشميس والجفاف ونحوه قال في التذكرة انتهى ما في المدارك وهو جيد ولكن هذا أي كون وقت الاخراج بعد التشميس التجفيف إنما هو فيما إذا تعلق غرض المالك بتجفيف الثمرة وأما لو تعلق غرضه بصرفها في مقاصده حال كونها رطبا وعنبا أو حصر ما ولم نعتبر التسمية في تعلق الزكاة بها كما هو المشهور فوقت الاخراج حينئذ بعد الاختراف والاقتطاف حقيقة إذ لا تجفيف في الفرض وليس اعتبار مضي مقداره شرطا تعبديا لوجوب الاخراج كما ستعرف وكيف كان فقد أشرنا إلى أن المراد بوقت الاخراج هو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبته وليس للمالك الامتناع من الدفع إليه لدى المطالبة وأنه لو أخرج الزكاة عنه مع التمكن من إيصالها إلى المستحق ضمن وهذا متأخر عن وقت الوجوب سواء قلنا بتعلق الوجوب من حين بدو الصلاح أو قلنا بدورانه مدار التسمية أما على الأول فواضح بل وكذا على الثاني فإن التسمية تحقق في الزرع قبل الحصاد فضلا عن التصفية وفي النخل قد تتحقق قبل الاجتذاذ مع أنه لا يجب الاخراج حينئذ كما هو ظاهر المتن وغيره وما عن بعض الأمور من اتحاد زمانها على القول بدورانه مدار التسمية وأن الحصاد والتصفية في الزرع والاجتذاذ في النخل من مقدمات الامتثال لا من شرائط وجوب الاخراج فهي من المقدمات الوجودية للواجب المطلق ضعيف إذ المنساق من الامر بصرف العشر أو الخمس من حاصل زرعه أو ثمرة بستانه في هذه السنة إلى زيد مثلا إنما هو إرادة إيصال الحصة المقررة له إليه بعد تصفية الحاصل وصرم البستان على حسب ما جرت العادة في تقسيم حاصل الزراعات و ثمرة الأشجار بين شركائهم فليس للفقير أولوية مطالبة المالك بالحصة المقررة له قبل استكمال الحاصل أو بلوغ أو إن قسمتها بين مستحقيها في العرف و العادة ومن المعلوم أن جفاف التمر وكذا الزبيب بل وكذا الغلة تدريجي فقد يكون ما يندرج تحت المسمى في هذا اليوم بالغا حد النصاب وهو يتزايد يوما فوما فما لم يستكمل الجميع ولم يبلغ أو إن حصادها وجمع التمر والعنب المنشورين للتشميس و التجفيف ليس للساعي مطالبة حق الفقير لما أشرنا إليه من أن المنساق من أدلة الزكاة إيجاب صرف الحصة المفروضة للفقير في ثمرة النخل والكرم وحاصل الزراعات عند بلوغ حدها ووصول أو أن تقسيمها بين الشركاء عادة وربما يشهد له أيضا مضافا إلى ما ذكر خبر أبي مريم المروي عن الكافي عن أبي عبد الله عليه في قول الله عز وجل وآتوا حقه يوم حصاده قال تعطى المساكين يوم حصادك الضغث ثم إذا وقع في البيدر ثم إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر فان قوله (ع) إذا وقع في الصاع إلى آخره كناية عن بلوغ أو ان قسمة الحاصل الذي هو بعد التصفية وتجفيف الثمرة نعم لو وصل وقت التصفية في العرف والعادة وتسامح المالك فيها وأخرها عن وقتها المعتاد لا لعذر اتجه الالتزام بتحقق الضمان وجواز الزامه بالتصفية خروجا عن عهدة ألحق الواجب في ماله وإطلاق كلمات الاعلام القائلين بأن وقته بعد التصفية في فتاويهم في معاقد إجماعاتهم المحكية منزل على المتعارف فهي غير منافية لذلك و لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلا إذا ملكت بالزراعة لا بغيره أي بغير هذا السبب من الأسباب كالابتياع والهبة والاتهاب ونحوهما و تخصيص الزراعة بالذكر من باب التمثيل فكأنه أريد بذلك الكناية عن اشتراط تعلق الزكاة بالغلات بتكونها في ملكه بأن لا يكون مملوكيتها له محتاجة إلى سبب آخر وراء المعدات المؤثرة في تكونها كما هو الشان في حاصل زراعة أو ثمرة بستانه والحصة المقررة له من الثمرة بإزاء عمله كما في عامل المزارعة والمساقات وكيف كان
(٦٢)