المعاملة وفيه إن اغتفاره في المعاملة مبني على المسامحة ولذا يتسامحون لدى اختلاف الموازين في الفضة بما لا يتسامحون بمثله في الذهب وفي الحنطة والشعير بما لا يتسامحون في النقدين وفي أيام الرخاء بما لا يتسامحون في أيام الغلاء والحاصل أن المدار على بلوغ النصاب حقيقة لا مسامحة واختلاف في الموازين واتفاقها لا يؤثر في تغيير الحكم واستدل له أيضا بصدق بلوغ النصاب بهذا الميزان وهو كاف في وجوب الزكاة إذ لا يعتبر بلوغه بالجميع لعدم إمكان تحققه وفيه ما عرفت من أن موضوع الحكم كونه في حد ذاته بالغا حد النصاب سواء وجد في العالم ميزان أم لم يوجد والرجوع إلى الموازين المتعارفة في البلد لكونها طريقا لمعرفة مقادير الأشياء فإذا بلغ النصاب شئ منها يجب التعويل عليه من باب أصالة الصحة والسلامة ما لم يعلم نقصه كما جرت عليه سيرة العرف والعقلاء في معاملاتهم ولدى معارضة بعضها ببعض سقطت الجميع عن الاعتبار فيصير الأصول مرجعا حتى عند العرف والعقلاء كما لا يخفى على من راجعهم في أبواب معاملاتهم من مثل بيع السلم وشبهه ما لم يكن بنائهم على المسامحة فلا حظ والدرهم ستة دوانيق والدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير في الجواهر بلا خلاف أجده بل عن ظاهر بعض وصريح غيره دعوى اتفاق الخاصة والعامة عليه وتصريح اللغويين به وفي المدارك بعد أن ذكر أن الواجب حمل الدرهم الواقع في النصوص الواردة عن الأئمة عليهم السلام على ما هو المتعارف في زمانهم عليهم السلام قال وقد نقل الخاصة والعامة إن قدر الدرهم في ذلك الزمان ستة دوانيق ونص عليه جماعة من أهل اللغة وقال العلامة في القواعد والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير والمثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام أما الدارهم فإنها مختلفة الأوزان وأستقر الامر في الاسلام على أن وزن الدرهم ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب وفي مفتاح الكرامة قال في شرح هذه العبارة أما كون الدرهم ستة دوانيق فقد صرح به في المقنعة و النهاية والمبسوط والخلاف وما تأخر عنها بل ظاهر الخلاف إن عليه إجماع الأمة وظاهر المنتهى في الفطرة الاجماع وفي المدارك أنه نقله الخاصة والعامة ونص عليه جماعة من أهل اللغة وفي المفاتيح أنه وفاقي عند الخاصة والعامة وفي الرياض أنه لم يجد فيه خلافا بين الأصحاب وأنه عزاه جماعة منهم إلى الخاصة والعامة و علمائهم مؤذنين بكونه مجمعا عليه عندهم وأما كون وزن الدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير فقد صرح به المفيد وجمهور من تأخر عنه وفي المفاتيح إنه لا خلاف فيه منا وقال العلامة المجلسي في رسالته على ما حكي عنه في تحقيق الأوزان إنه متفق عليه بينهم وإنه صرح به علماء الفريقين ومثله قال صاحب الحدائق وفي المدارك قطع به الأصحاب وفي المنتهى نسبته إلى علمائنا وأما كون كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل فظاهر الخلاف إجماع الأمة عليه وفي رسالة المجلسي إنه مما لا شك فيه ومما اتفقت عليه الخاصة والعامة وقال أيضا إن مما لا شك فيه إن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي فالصيرفي مثقال وثلث من الشرعي ثم قال وأما كون المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام عما هي عليه الآن ففي الحدائق إنه صرح به علماء الطرفين وقد نقل عن الرافعي في شرح الوجيز ثم قال قلت وهو الموجود في شرحه الآخر لليمني وبه صرح المصنف في النهاية والمحقق الثاني على ما حكي يستفاد ذلك من قولهم الدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير فيحث علم الدرهم وعلم نسبته إلى المثقال علم المثقال إنتهى ما في مفتاح الكرامة وفي الحدائق قال لا خلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم وغيرهم أيضا إن الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الان في جاهلية ولا إسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين قال شيخنا العلامة أجزل الله إكرامه في النهاية والدنانير لم يختلف المثقال منها في جاهلية ولا إسلام وكذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز إنه قال المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام والدينار مثقال شرعي فهما متحدان وزنا فإذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار وتارة بالمثقال وأما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين أيضا إنها كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله سابقا كما كانت قبل زمانه بغلية وكان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق طبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانيق هكذا بعده إلى زمن بني أمية فجمعوا الدرهمين وقسموها نصفين كل درهم ستة دوانيق وأستقر أمر الاسلام على ذلك قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقل عن ابن دريد إن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية وزنه ثمانية دوانيق قال إن البغلية كانت تسمى قبل الاسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الاسلام والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق ولما كان في زمن عبد الملك جمعهما واتخذ الدرهم منهما وأستقر أمر الاسلام على ستة دوانيق إنتهى ما في الحدائق ولقد أطلنا الكلام في نقل الكلمات حيث إنها هي العمدة في تشخيص مثل هذه الموضوعات وإن كانت العادة قاضية بأن ما أشتهر بين المسلمين في ضبط مقدار الدينار والدرهم الذين بني عليهما أحكام شرعية كثيرة عامة الابتلاء من كون المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي وكون الدرهم نصف المثقال وخمسه مأخوذا من أسلافهم يدا بيد خصوصا بعد الالتفات إلى قضاء العادة ببقاء عين الدراهم والدنانير المتعارفة في تلك الاعصار إلى الأعصار المتأخرة بل قد يوجد في هذه الاعصار من الدنانير القديمة ولعله منها الدنانير التي يقال لها أبو لعيبة فمثل هذه الأشياء لا يختفى وزنها على العلماء المتصدين لضبطه وأما ما ذكره من تحديد الدرهم بستة دوانيق والدانق بثمان حبات من أوسط حب الشعير كتحديدهم للذراع الأسود الذي وضعه العباسيون بعدة أصابع وتحديد كل أصبع بسبع شعيرات أو ست وتحديد كل شعير بسبع شعرات فهو تحديد تقريبي ذكروه لشدة الاحتياط في ضبطه بما لا يسلم عن اختلاف كثير حتى بالنسبة إلى صنف واحد من شعير مكان خاص في سنة واحدة فضلا عن البلاد المختلفة في الأقاليم المتشتتة كما لا يخفى على من أختبره بمكيال كبير إذ قلما يتفق مساواة مكيالين منه في العدد وفي الحدائق بعد أن نقل عن علماء الفريقين التصريح بأن الدرهم ستة دوانيق وأن كل دانق ثمان حبات قال إلا أنا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية وهي الدنانير والظاهر أن حبات الشعير المتعارفة سابقا كان أعظم حجما وأثقل وزنا من الموجود في زماننا إنتهى ولعل هذا هو الوجه فيما ورد من تحديد الدانق باثني عشرة حبة من أوسط حب الشعير في خبر سليمان بن حفص المروي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال الدرهم ستة دوانيق والدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتي شعير ومن أوساط الحب لا من صغاره ولا من كباره والحاصل إن تحديد المثقال أو الذراع وشبههما بالشعيرات أو الشعرات إحالة على أمر غير مضبوط مع أن الدينار بنفسه شئ معين وزنه مضبوط لم يتغير
(٥٢)