قال الأصبغ بن نباته غدونا على أمير المؤمنين (ع) ونحن نفر من أصحابه، فسمعنا البكاء في منزله، فبكيت حتى ارتفع صوتي بالبكاء، فخرج الحسن (ع) وقال: ألم أقل لكم انصرفوا، فقلت: لا والله يا ابن رسول الله، لا تحملني رجلي أن أنصرف ولم أر سيدي ومولاي وبكيت، ودخل الحسن فلم يلبث أن خرج إلي فأدخلني معه، فوجدته معصب الرأس بعمامة صفراء، فلم أشعر أن وجهه أشد صفرة من العمامة أو العمامة أشد صفرة منه، فنظرته وأنا أبكي، فقال لي: لا تبكي يا أصبغ، إنها والله الجنة. فقلت: جعلت فداك يا سيدي إنما لفقدي إياك، ثم دعا بابنيه الحسن والحسين وفتح يده وضمهما إلى صدره وعيناه تهملان دموعا، ثم أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق، وهكذا كان رسول الله (ص) لما غلب عليه السم الساري في بدنه، فأتي له بقدح فيه لبن وعسل فشرب منه قليلا وقال: احملوه إلى أسيركم بحقي عليكم، طيبوا طعامه وشرابه، فقالوا: إنه قد أفجعنا فيك، فقال (ع): إنا أهل بيت لا نزداد على كثرة الإساءة لنا إلا إحسانا.
قال حبيب بن عمر دخلت على أمير المؤمنين فحل لي عن جراحاته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشئ، وما عليك من بأس فقال (ع):
إني مفارقكم، فبكيت وبكت أم كلثوم، فقال لها: يا بنية لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت، فقلت: ما ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: أرى يا حبيبتي ملائكة السماء وملائكة الأرض صفوفا بعضهم في أثر بعض يتلقوني، وأخي رسول الله جالس عندي يقول: فإن أمامك خير لك ولله در من قال:
[عين تروم فراق شخصك ساعة * كحلت بأميال العمى آماقها] [نفس للحظك لم تكن مشتاقة * ضربت بأسياف العدى أعناقها] قيل وحضر عروة السلولي (1) وكان أعرف أهل زمانه بالطب، فذبح شاة