قلبي يحدثني أني مقتول لا محالة، قال لابنته أم كلثوم بحقي عليك إلا ما أطلقت هذا الإوز يأكل من حشائش البر، ولا تحبسي من لا له لسان ولا يقدر على الكلام، وأطعميه وخلي سبيله، ثم مد يده إلى الباب ليفتحه فانحل مئزره فشده شدا وثيقا وقال:
[أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيكا] [ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديكا] [ولا تغتر بالدهر * وإن كان يواتيكا] [فكم رفع أقواما * وقد كانوا صعاليكا] [كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيكا] قالت أم كلثوم: كنت أمشي خلف أبي، فلما سمعت ذلك منه قلت:
وا غوثاه يا أبتاه مالي أراك يا قرة عيني تنعي نفسك، فأخذت في البكاء فوقف عندي وجعل يعزيني على نفسه وهو يبكي، ثم خرج فأعلمت أخوي الحسن والحسين وقلت لهما: إن أبانا قد تنكر حاله في هذه الليلة، فأخبرتهما بما جرى فأدركاه، فقال له الحسن: مالك يا أبتاه خرجت في هذه الساعة؟
فقال (ع): لأجل رؤيا أفزعتني، فقال الحسن: وما هي يا أبتاه؟ فقال: رأيت كأن أخي جبرائيل نزل من السماء على جبل أبي قبيس، فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى مكة، فضرب بأحدهما الآخر فصارا رمادا فذراهما في الهواء، فلم يبق بمكة ولا بالمدينة ولا بلد من بلاد الاسلام بيت إلا دخله من ذلك الرماد شيئا. فقال الحسن: وما تأويل ذلك يا سيدي؟ قال: يا بني إن صدقت رؤيا أبيك فإنه مقتول، ولم يبق بيت من بيوت الاسلام إلا دخله من ذلك هم وحزن، فقال الحسن: ومتى يكون ذلك يا أبتاه؟ فقال: إن الله تفرد بخمسة أشياء لم يطلع عليها نبي ولا وصي نبي وهو قوله تعالى: (ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما