وأخرج من ريتها عرقا فأدخله في جراحته ثم أخرجه، وإذا عليه بياض الدماغ، فقال الطبيب بعد أن استعبر وبكى: أعهد عهدك يا أمير المؤمنين فإن الضربة وصلت إلى الدماغ.
قال محمد بن الحنفية، فبينما نحن ليلة عشرين من شهر رمضان عند أبي علي (ع) وقد سرى السم في جميع بدنه الشريف، وكان تلك الليلة يصلي من جلوس وهو يعزينا على نفسه ويوصينا بما هو أهله من أفعال الخيرات واجتناب الشرور، ويكثر من ذكر الله تعالى وقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فلما أصبحنا أقبل الناس يعودونه ويسلمون عليه فيرد عليهم وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، قال الحسن (ع) فقلت سلوه قبل أن تفقدوه وخففوا سؤالكم عنه، فما زالوا يسألونه عما يريدون وهو (ع) يجيبهم ويعلمهم كثيرا من الاحكام، ويبين لهم من مسائل أصول الدين والاسلام، ويوعظهم بما يزجرهم من ارتكاب الآثام، قال: وكان ابن عباس حاضرا عنده، قال: وفي نفسي أن أسأله عن سبعين مسألة وأنا مشفق عليه لما أرى ما به، فما شعرت به إلا وقد قال لي: يا ابن العم عندك مسائل تريد أن تسألني عنها؟ قلت: نعم، فاحتوى على ما في نفسي، وشرح لي عن كل مسألة مسألة، ثم قال: أثنوا لي الوسادة فثنيت له، فقال:
الحمد لله قدره متبعين أمره كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد، الاحد، الفرد، الصمد كما انتسب. أيها الناس كل امرء لاق لاق ما يفر منه في فراره، الاجل مساق النفس والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الامر، فأبى الله إلا اخفاءه. هيهات: علم مكنون. أما وصيتي فالله لا تشركوا به شيئا، ومحمد صلى الله عليه وآله فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم ما لم تشردوا. وحمل كل امرئ منكم مجهوده، وخفف عن الجهلة. رب رحيم وإمام دين عليم قويم، أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم غفر الله لي