ولكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك، وإن تدحض القدم فانا كنا في أفياء أغصان ومهاب رياح، وتحت ظل غمام اضمحل في الجو متلفقها، وعفا في الأرض مخطها، وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما، وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حراك وصامتة بعد نطق، ليعظكم هدوي، وخفوت إطراقي وسكون أطرافي فإنه أوعظ أمري من النطق البليغ والقول المسموع، وداعي لكم وداع مرصد للتلاقي! غدا ترون أيامي ويكشف لكم عن سرائري وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي، فإن أبقى فأنا ولي دمى، وإن أفنى فالفناء ميعادي، العفو لي قربة ولكم حسنة فاعفوا واصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ فيا لها حسرة على كل ذي غفلة ان يكن عمره عليه حجة أو توديه إلى النار شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا تقتصر به عن طاعة الله رغبة أو تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه، ثم أقبل علينا يوصينا، وقال: يا حسن ضربة مكان ضربة ولا تأثم.
وجاء جماعة من اليهود واستأذنوا عليه في تلك الساعة فأذن لهم، فدخلوا عليه وأسلموا على يديه، وأخبرهم عن كثير من الاحكام، ثم سألوا عن سبب إسلامهم قالوا: نعم رأينا الساعة المياه قد تكدرت والهواء قد سكن، والجو قد اسود، والبهائم قد صفت آذانها، والسحاب قد أقبل على داره، والطير قد رفرف على بيته، فعلمنا أنه وصي نبي، وذلك مكتوب في التوراة.
ثم قال: (ع): أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته، اختاره لعلمه وارتضاه لخلقه، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس من أعمالهم، عالما بما في الصدور، أوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما أوصاني به جدك رسول الله، فإذا كان ذلك يا بني فالزم بيتك وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، وأوصيك بالصلاة عند وقتها، والزكاة عند محلها، والصمت عند الشبهة، والاقتصاد في العطاء، والعدل في الرضى والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف،