الذي مات فيه رسول الله، وأقبل الناس من كل فج، وأخذتهم الرجفة والزلزلة، وأظلمت الدنيا، واغبر الأفق، وكسفت الشمس، وما قلب في ذلك اليوم حجر إلا وجد تحته دم عبيط، وكثر النوح من تحت الأرض من الجن، وسمع الناس جبرائيل مع الملائكة ينعونه في السماء وقائلا يسمع صوته ولا يرى شخصه يقول:
[بنفسي ومالي ثم أهلي وأسرني * فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم] [علي أمير المؤمنين ومن بكت * لمقتله البطحاء وأكناف زمزم] [وظل له أفق السماء كأنه * شقيقة ثوب لونها لون عندم] [وناحت عليه الجن إذا فجعت به * حنينا كثكلى نوحها بترنم] [تكاد الصفا والمروتان كلاهما * يهدا وبان النقص في ماء زمزم] [لفقد علي خير من وطأ الثرى * أخي المصطفى الهادي النبي المكرم] قال وعن رزين قال: كنت بالرحبة فسمعت غلاما يقول: مات أمير المؤمنين (ع) ورب الكعبة، قال: فقمت إليه وضربته وقلت له: ما تريد من المصالح، قال: كنت أرعى الأغنام منذ خمسين سنة، وكانت الذئاب تقع فيها فتدفع عن نفسها، وأرى هذه الساعة الرعاة يضجعون من كل ناحية وما ذاك إلا فقد إمام عادل. قال: فرحلت راحلتي ودخلت الكوفة فجرا وإذا الناس يضجون من كل ناحية مات أمير المؤمنين وسيد الوصيين ولله در من قال:
[عليك أمير المؤمنين تأسفي * وحزني وإن طال الزمان طويل] [جللت فجل الرزء فيك على الورى * كذا كل رزء للجليل جليل] [مصاب أصيب الدين منه بفادح * تكاد له شم الجبال تزول] [فليس بمجد فيك وجدي ولا البكا * مفيد ولا الصبر الجميل جميل] [وإن سئم الباكون فيك بكائهم * ملالا فإني للبكاء مطيل] [فما خف من حزني عليك تفجعي * ولا جف من دمعي عليك مسيل] [وينكر دمعي فيك من باب قلبه * خليا وما دمع الخلى هطول]