فقال له الإمام: ما يمنعك من الكلام؟
قال: إجلالا لك ومهابة، ما ينطلق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين، فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك.
قال الإمام: يكون ذلك، ولكن أفتح عليك بسؤال. وأقبل عليه فقال له:
أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟
فقال ابن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع.
فقال له الإمام: فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟ فبقي ابن أبي العوجاء مليا لا يحير جوابا، وولع بخشبة كانت في يديه وهو يقول: طويل، عريض، عميق، قصير، متحرك، ساكن، كل ذلك صفة خلقه.
فقال له الإمام: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها، فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك يحدث من هذه الأمور.
فقال له: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها.
فقال له الإمام: يا عبد الكريم (1)، هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى، فما علمك أنك لا تسأل عنها فيما بعد، على إنك يا عبد الكريم نقضت قولك، لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت.
ثم أردف الإمام وقال: يا عبد الكريم، أزيدك وضوحا، أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك: صف لي الدينار، وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي