الهادفة والبيان، المؤمن في قضيته، الوديع في نقاشه، دون أن يفسح المجال للإثارة أن تمتلك عليه مواقفه، لتحقق للخصم الانتصار نفسيا عليه ليكون منفذا للتحدي، ودعما لمواقف الخصم المعادي للإيمان.
وقد أمسك الإمام بهذا الأسلوب الرسالي زمام المبادرة، وأوقف الخصم عند حده، وألزم الزنادقة الرهبة والتقدير والاحترام في نفوسهم.
ويستوقفنا مشهد الحوار الطريف الذي جرى بين قطبين من أقطاب الزندقة، هما ابن المقفع وزميله ابن أبي العوجاء، والذي يدلل بصراحة على مدى الشعور بالخطر لدى هؤلاء وأمثالهم من منازلة الإمام الصادق في أي مجال من مجالات الجدل والحوار.
فقد اجتمع بعض الزنادقة في حلقة في المسجد الحرام وفيهم ابن المقفع وابن أبي العوجاء، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق - وأومأ بيده إلى موضع الطواف -، ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني الإمام الصادق - وأما الباقون فرعاع وبهائم (1).
ويتساءل عبد الكريم بن أبي العوجاء، وهو كذلك من أقطاب الإلحاد والزندقة: كيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال ابن المقفع:
لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم!!
ولم يكن يطيب لابن المقفع أن يقر للإمام (عليه السلام) بمثل هذا الواقع، لولا انهزامه نفسيا وفكريا أمام منطق الإمام الصائب وشخصيته الفذة، على رغم اعتداده بنفسه وما عرف به من عتو وغرور، والتي تدلل عليه كلمته هذه في التعريف بالإمام (عليه السلام)