فكتب إلى أهل مصر كتابا يعرفهم به، قال فيه:
"... بعثت إليكم عبدا من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق؛ فإنه سيف من سيوف الله، لا كليل الظبة (1) ولا نابي (2) الضريبة؛ فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا؛ فإنه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم، وشدة شكيمته على عدوكم " (3).
وكانت تعليماته (عليه السلام) الحكومية - المشهورة ب " عهد مالك الأشتر " - أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط، وهي خالدة على مر التاريخ (4).
وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر، وحين شعر أن جميع خططه ستخيب بذهاب مالك إليها، قضى عليه قبل وصوله إليها. وهكذا استشهد ليث الوغى، والمقاتل الفذ، والناصر الفريد لمولاه، بطريقة غادرة بعدما تناول من العسل المسموم بسم فتاك، وعرجت روحه المشرقة الطاهرة إلى الملكوت الأعلى (5).