الفضيلة لهذا المظهر الجميل للروح الإنسانية استغلالا سيئا، فألجؤوا الشعراء إلى إنشاء المدائح الذليلة المذلة الجارحة للعز والشمم، وسجلوا بهذا إحدى الصفحات السوداء للأدب والثقافة البشرية.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وهو نبي الحرية والكرامة الإنسانية -: " احثوا في وجوه المداحين التراب " (1).
وقال أيضا مبينا ما في مدح الجبارين والأقوياء من شديد القبح والوضاعة والحقارة: " إذا مدح الفاجر اهتز العرش وغضب الرب " (2).
بيد أنه (صلى الله عليه وآله) كان من جهة أخرى يثني على الشاعر الذي ينشد في الحق، ويرفع صوته بمكرمة إنسانية؛ ويدعو له، ويثمن عمله، كما أثر عنه (صلى الله عليه وآله) لما سمع أبياتا من رائية النابغة الجعدي أنه دعا له قائلا: " لا يفضض الله فاك... " (3).
وكان هناك شعراء منذ قديم الأيام لم يطيقوا مدح الظلم والولاء له، ولم يرقهم الثناء على الظالمين، بل كانوا ينشدون ملاحم المجد والعظمة والبهاء، ويشيدون بالجمال والنور وصانعيه، وكان دأبهم التواضع لوهج شمس الحقيقة المتألقة. و هكذا كان منهم من وقف أمام القمة الشاهقة لشخصية مولى الموحدين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومدحوا ذلك الطود الأشم، الفياض بالمكارم، الذي تستمد منه وجودها جميع القيم الإنسانية الربانية الرفيعة، وسطروا في كلماتهم معالي ذلك الإنسان العظيم، وشجاعته، وشهامته، واستبساله، وعشقه، وولهه في الله تعالى، وقدموها لجميع الأجيال والأعصار.