يفكرون بالانتقام لقتلاهم. وتوفرت لديهم الدواعي الكافية للإقدام على هذا العمل الخطير والخبيث، هذا فضلا عن عدم إمكانية تتبع المؤامرة والوصول إلى الفاعل الأصلي، ولعل هذا هو السبب الذي أدى إلى عدم وجود أي سند تاريخي يثبت ارتباط هذه القضية بمعاوية. ومن الطبيعي أن أمثال هذه القرارات السرية من قبل الحكومات ليست مما يمكن للمؤرخين الاطلاع عليه وتثبيته في كتبهم.
إحدى القرائن الأخرى الجديرة بالتأمل في هذا السياق هو دور الأشعث في هذه الواقعة؛ فهو لم يكن مؤيدا للإمام من كل قلبه، بل إنه هدد الإمام بالقتل، ووصفه الإمام علانية بالنفاق، ولكن بما أنه كان رئيسا لقبيلة كندة، فإن الإمام كان ينتهج معه أسلوب المداراة؛ لأن إبعاده عن الإمام كان يخلق له مشكلة مع تلك القبيلة الكبيرة ويمنعها من الوقوف إلى جانبه.
إن دور الأشعث في فرض التحكيم على الإمام، واختيار أبي موسى للتحكيم وما تبع ذلك من وقائع، ينم عن علاقاته الخفية بمعاوية. وعلى هذا الأساس فإن علمه المسبق بعملية الاغتيال قبل وقوعها، وعلاقة ابن ملجم به قبل تنفيذ العملية يعد مؤشرا على وجود يد لدمشق في تلك الحادثة.
نقل ابن أبي الدنيا عن أستاذه عبد الغفار أنه قال: " سمعت غير واحد يذكر أن ابن ملجم بات عند الأشعث بن قيس، فلما أسحر جعل يقول له: أصبحت ".
ونقل الكثير من المؤرخين أن ابن ملجم عندما مر بالأشعث عند المسجد قبل الإقدام على عملية الاغتيال، قال له: " النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح ". ولما سمع حجر بن عدي مقالته عرف مقصوده، فقال له: " قتلته يا أعور "، وخرج من المسجد من ساعته ليبلغ الإمام بالقضية، ولكن الإمام كان قد دخل من باب آخر، وعندما وصل حجر، كان الرجل قد ضرب الإمام!