وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها، فلما بصر بهم علي (عليه السلام) قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثب له علي (عليه السلام) فختله وهمز يده (1)، فجعل خالد يقمص (2) قماص البكر (3)، ويرغو رغاء الجمل، ويذعر ويصيح، وهم في عرج الدار من خلفه، وشد عليهم علي (عليه السلام) بسيفه - يعني سيف خالد - فأجفلوا (4) أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار، فتبصروه فإذا هو علي (عليه السلام)، فقالوا: إنك لعلي؟ قال: أنا علي، قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك؟ قال: لا علم لي به وقد كان علم - يعني عليا (عليه السلام) - أن الله تعالى قد أنجى نبيه (صلى الله عليه وآله) بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه، فأذكت قريش عليه العيون، وركبت في طلبه الصعب والذلول، وأمهل علي صلوات الله عليه حتى إذا أعتم (5) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين، فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب.
فقال: إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن. قال: فهي لك بذلك، فأمر (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) فأقبضه الثمن، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته.
وكانت قريش تدعو محمدا (صلى الله عليه وآله) في الجاهلية الأمين، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك، فأمر عليا (عليه السلام) أن يقيم صارخا يهتف