الاستطاعة بوجوب الحج، حيث لا يجب الحج قبل الاستطاعة، غير أن الله تعالى لا يطلب من المكلف تحقيق الاستطاعة، إلا أن البيعة واجبة على المكلف لإقامة الدولة الإسلامية وإقرار الأمن وتطبيق حدود الله، فإذا تحققت البيعة وجبت الطاعة بمقتضى البيعة، وليس وجوب البيعة ناشئا من وجوب الطاعة، كما كان الأمر كذلك في (مقدمة الواجب) في الرأي الثاني، ويصطلح علماء الأصول على هذه العلاقة عادة ب (مقدمة الوجوب) مقابل (مقدمة الواجب).
وبناء على هذا الرأي تكون البيعة سببا في إحداث وجوب الطاعة، ومن دون البيعة لا تجب الطاعة.
وهذا رأي في علاقة البيعة بالطاعة، ولا نستبعد هذا الرأي، في عصر الغيبة، غير أن وجوب البيعة وتسبيبها لوجوب الطاعة ليس بمعنى أن البيعة تعين ولي الأمر. فلا علاقة للبيعة ووجوبها وإيجابها للطاعة بمسألة تعيين الإمام. فلو أن الناس بايعوا من لم يأذن الله تعالى ببيعته لم تصح بيعتهم ولا تحدث هذه البيعة وجوبا للطاعة لمن بايعه الناس، وإنما توجب البيعة الطاعة إذا كانت البيعة لمن أذن الله تعالى بطاعته وأمر ببيعته. فالشأن إذن فيمن يأذن الله تعالى ويأمر بطاعته وبيعته.
فإن كان دليل قطعي بتفويض أمر الإختيار إلى المسلمين ضمن الشروط والأوصاف التي يحددها الشارع فهو المرجع، وإن لم يكن لنا مثل هذه الحجية على عموم التفويض فليس في شرعية البيعة ووجوبها وتسبيبها لطاعة ولي الأمر دلالة على أن الله تعالى فوض الأمة أمر انتخاب الإمام ضمن الشروط والمواصفات العامة التي يذكرها الفقهاء. وليس بوسع الناس أن يمنحوا بالبيعة شخصا من بينهم الولاية على أنفسهم، حتى ضمن المواصفات والشروط العامة ما لم ترد حجة شرعية قطعية على ذلك. ولا تكون (البيعة) مصدرا لشرعية (الاختيار).