وكذلك الأمر في (الأصل)، فإن أصالة الإباحة تبيح له فقط التصرف فيما خلق الله تعالى لعباده من رزق، ولم يفوضه هذا الأصل فيما يتعلق بشؤون الآخرين وحقوقهم.
وعليه فلا يمكن التمسك بالقاعدة والأصل لإثبات التفويض من جانب الله تعالى للانسان في اختيار الإمام وولي الأمر للأمة.
إذن نستطيع أن نقول بعد هذا الاستطراد: إن قواعد وأصولا فقهية من قبيل (قاعدة التسليط) و (أصالة الإباحة الأولية) لا يمكن التمسك بها في توجيه شرعية مسألة الاختيار في أمر الإمامة، وتبقى دلالة هذه القاعدة وذلك الأصل في دائرة الشؤون الفردية فقط، دون الشؤون المتعلقة بالأمة في أمر السيادة والولاية وأمثالها. على أن هذه القاعدة، إذا صحت دلالتها، لا تزيد على أفضل التقادير على تمكين الناس من طاعة من يريدون طاعته فيما يصح لهم أن يفعلوه بأنفسهم، وتمكن الحاكم بالمقابل من الأمر والنهي وإلزام الناس بالطاعة في نفس الدائرة التي سلط الناس عليها. ولا تدل بوجه من الوجوه على شرعية التصرفات التي لا تصح إلا من الإمام، ولم يسلط الله الناس عليها، مثل تزويج غير البالغة، وتطليق المرأة عن زوجها، وإجراء الحدود الشرعية ومسائل الجباية، وغير ذلك من الأمور التي لا تصح إلا من الإمام، وهي كثيرة.
فإن قاعدة التسليط لا تزيد على تمكين الإمام من إلزام الناس بما سلط الله الناس عليها.
والأمور التي ذكرناها لا تدخل في دائرة الأمور التي سلط الله الناس عليها، وتقع خارج مساحة قاعدة التسليط بالضرورة، وهي من مقومات الإمامة والولاية، ولا تتم الإمامة والولاية إلا بها.