مدخل إلى دراسة نص الغدير - الشيخ محمد مهدي الآصفي - الصفحة ٥٧
فلم ينعقد على خلافة أحدهم إجماع المسلمين، ولم تضر بشرعية خلافة أحدهم مخالفة من خالف من المسلمين، إذا اجتمع وجوه الأنصار والمهاجرين. وعلى ذلك فإن معاوية ملزم بالاستجابة لبيعة المسلمين للإمام من بعد خلافة عثمان، فقد بايعه من وجوه الأنصار والمهاجرين الذين بايعوا من قبله أبا بكر وعمر. فلا يكون تخلف معاوية وأهل الشام ناقضا لبيعته إذا اجتمع على بيعته من اجتمع على بيعة الشيخين من قبله.
فليس لمعاوية ولا لأهل الشام أن يردوا بيعة الإمام عليه السلام، كما ليس لأهل المدينة أن يختاروا غير من اختاره شيوخ المهاجرين والأنصار. وكتاب الإمام عليه السلام إلى معاوية صريح في هذا الإفحام والإلزام لمعاوية أمام الملأ من أهل الشام بما يلتزم به، وليس في هذا الكتاب أية إشارة إلى أن الإمام عليه السلام يقرر في هذا الكتاب رأيه في مسألة (الإختيار)، وإنما هو كتاب سياسي لإحراج معاوية وإفحامه في مسألة الاختيار والبيعة.
النقطة الثانية: إن الإمام لم يكن يرى أن بيعة وجوه المسلمين وأصحاب الحل والعقد منهم سبب شرعي كاف في انعقاد الإمامة والخلافة، ولم يكن يعتقد بشرعية بيعة الخليفة حتى بعد اجتماع وجوه المهاجرين والأنصار في المدينة عليه واستقرار خلافته. وبقي الإمام قابضا يده عن البيعة حتى رأى أن لموقفه من خلافة الخليفة مردودا سلبيا على الإسلام فبايع عندئذ.
يقول عليه السلام في ذلك: فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي، أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه. فأمسكت يدي، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم أنصر
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»