وقد فسر حديث الأرواح بالملائكة، واعترض على شيخه الصدوق بشدة حتى قال: (والذي صرح به أبو جعفر في معنى النفس والروح هو قول التناسخية بعينه! من غير أن يعلم أنه قولهم، فالجناية بذلك على نفسه وعلى غيره عظيمة) (1).
وينبغي أن ننوه هنا قائلين: إنه وإن كانت حقيقة الروح والنفس والعقل وما بطن من وجود الإنسان، كسائر كثير من الحقائق الأخرى، ما تزال مجهولة، إلا أنه ورد التصريح بخلق الأرواح قبل الأجساد في أحاديث كثيرة، ولما لم يكن للصدوق رحمه الله سبيل إلى ردها فقد أظهر اعتقاده بها، ولا علاقة لهذا الاعتقاد بالتناسخ، لأن التناسخ هو عبارة عن تعلق الروح بالأجسام العنصرية المتعددة في هذه الدنيا، فهي تحل بعد فناء كل جسم بجسم آخر (2)، وأن تظهر الحقيقة الواحدة في صور متعددة، وأن تنال في كل مرحلة جزاء المرحلة السابقة من ثواب أو عقاب، مع أن خلق الأرواح قبل الأجسام، يعني تعلق الروح منحصرا بجسم عنصري واحد، وهو غير الأرواح والأجسام الأخرى روحا وجسما.
وهذا المعنى ممكن في حد نفسه دون أن نكون في صدد إثباته، وإن كان عند مثل الصدوق ثابتا فقد أخذه عن رجال كان لهم حذاقة وتتبع كامل للأخبار، ولا ينبغي قياسه على القول بالتناسخ!...
والبحث الآخر: ويظهر أن مناقشة المفيد الثانية للصدوق، في مسألة بقاء الأرواح، حيث قال: (اعتقادنا أنها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء، وإنما تنقلون من دار إلى دار وإنها في الأرض غريبة وفي الأبدان مسجونة) واعتقادنا أنها إذا فارقت الأبدان فهي باقية منعمة ومنها معذبة إلى أن يردها الله عز وجل بقدرته إلى أبدانها).
فاستدرك المفيد على هذا التعبير بقوله (ما ذكره من أن الأنفس باقية فعبارة