لكن يستفاد من كلام أبي عبد الله المفيد أن الأنبياء جميعهم والأئمة الطاهرين معصومون وموصوفون بالكمال حال النبوة، إذ قال (والأنبياء والأئمة من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم، من الكبائر كلها والصغائر، والعقل يجوز عليهم ترك مندوب إليه على غير التعمد للتقصير والعصيان، ولا يجوز عليهم ترك مفترض، لأن نبينا (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب والمفترض قبل حال إمامتهم وبعدها) (1).
ومع أنه صرح بأنهم (لم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص وجهل، فإنهم يجرون مجرى عيسى ويحيى في حصول الكمال لهم مع صغر السن...)، وقال (هذا أمر تجوزه العقول ولا تنكره، وليس إلى تكذيب الأخبار سبيل) إلا أنه قال (والوجه أن نقطع على كمالهم (عليهم السلام) في العلم والعصمة في أحوال النبوة والإمامة، ونتوقف في ما قبل ذلك وهل كانت أحوال نبوة وإمامة أم لا؟ ونقطع على أن العصمة لازمة منذ أن أكمل الله تعالى عقولهم إلى أن قبضهم...).
وينبغي أن ننوه موضحين بأن هذا الكلام مخالف لضرورة المذهب والأحاديث المتواترة، فالشيعة متفقون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قبل بعثته، والأئمة (عليهم السلام) قبل تكليفهم بالقيام بمسؤولية الإمامة، كانوا في مقام العصمة وكمال الصفات الإنسانية. وما ذكره (قدس سره) لا ينسجم، وقداسة مقام خاتم الأنبياء الرفيع (صلى الله عليه وآله) الذي وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بما كان عليه قبل بعثته.
وفي اعتقاد كل شيعي ومن جملتهم أبو عبد الله المفيد نفسه أن أمير المؤمنين كان معصوما في عصر النبي (صلى الله عليه وآله)، وإن كانت مسؤولية الإمامة مناطة بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) مؤهلا لكل ما يستلزم الإمامة معصوما.
وكذلك الحال بالنسبة للحسن (عليه السلام) فقد كان في عهد أبيه معصوما مؤهلا لمستلزمات الإمامة. ومثله أخوه الحسين (عليه السلام) في عهد أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخيه الحسن (عليه السلام)،