فهمناه واستظهرناه من أقواله في هذا الشأن نسجل ملاحظاتنا فنقول:
الظاهر من كلمات الصدوق أنه عد الإرادة والمشيئة بمثابة اللفظين المترادفين، وفرق بينهما وبين الحب والرضا والسخط والكراهة. فما كان متعلق الإرادة والمشيئة فهو حتمي الوقوع، وما كان متعلق الحب والرضا فلا يلزم منه الوقوع، كما أن ما هو متعلق السخط والكراهة لا يلزم منه العدم، بل أراد ما يكون متعلق حبه أو كرهه أن يفعل أو يترك باختيار الفاعل.
ولإيضاح هذا الأمر استشهد بآيات من قبيل (لا يرضى لعباده الكفر) (1) و (ولو شاء ربك لآمن في الأرض كلهم جميعا) (2) واستعمل عبارات هي محل نقاش، كقوله (شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه) لأن الإرادة أو المشيئة تتعلق بأمر لا يوجد لولا الإرادة والمشيئة، أما الشئ الذي لا يكون إلا بعلمه فهذا تحصيل حاصل وواقعية ثابتة...
وما ينبغي التنويه عنه هنا أن العبارة في النسخة المطبوعة عندي من إعتقادات الصدوق وردت كلمة (بعلمه) في جملة (شاء الله أن لا يكون شئ إلا بعلمه) بالباء الموحدة، وإذا أردنا أن نؤول هذه الجملة بما يلي: شاء الله أن لا يقع شئ إلا بسبب علمه، أي: أراد أن لا يقع ما لا يعلمه، فهذا مستلزم للجبر والدور، وهو ما نقله الشيخ المفيد عن قول المجبرة الذين لم يصرحوا أن الله أراد المعصية فيكونوا كفارا بذلك، فقالوا: يريد أن يكون ما علم كما علم، ويريد أن تكون معاصيه قبائح منهيا عنها!.
والجواب على ذلك: أنه يستلزم الدور لأن إرادة (ما علم) - (المعلوم) مثلا وجود زيد - متوقفة على إرادة وجوده، وإرادة الوجود ستكون متوقفة على كونه معلوما...
وخلاصة الكلام هنا - ولعلها تنسجم مع نظرتي هذين الشيخين الجليلين - هي أن النظام المقرر بتقدير الله وتدبيره في العالم كله، والله عالم به، سيقع وفقا للنظام المقرر بالإرادة الإلهية، ومن جملته صدور الأفعال عن العباد باختيارهم متعلق هذه الإرادة، أما الكفر والظلم والأعمال القبيحة فلا يرضاها وقد نهى عنها ولو صدرت عن العباد في