والخلاصة المنهي عنه هو الأمور التي يكون البحث فيها والفحص عنها، موجبا للشك والحيرة والتردد وظهور فلسفة التحير (لست أدري)، وربما تكون مدعاة للاعتراض وسوء الظن، وسالبا لحال الاطمئنان في النفس وحسن ظن الإنسان بكل ما يجري في العالم، ومزلزلا لركونه وتسليمه لأمر الله الذي يكون فيه في أحسن الحالات وأسعدها، أي أن السلوك في هذا الوادي والتفكير فيه لا يعيق الإنسان من أن ينتهي إلى هدف، بل يجعله مبتلى بمرض سوء الظن والحيرة، وهو من أخطر الأمراض النفسية، وربما تسوق صاحبها إلى التفكير في انتحاره وتدمير أحبابه.
والكلام الآخر - هنا - الذي فيه مجال للاستدراك على الشيخ المفيد رحمه الله أنه قال: قال الشيخ أبو جعفر في القضاء والقدر: والكلام في القدر منهي عنه، وروى حديثا لم يذكر إسناده.
فإذا كان مقصوده الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب رجل سأله عن القدر فأجابه: (بحر عميق فلا تلجه)، فلم يكتف السائل بذلك وسأله ثانية فقال له: طريق مظلم فلا تسلكه، ثم سأله ثالثة فقال له: سر الله فلا تتكلفه، وهذا الحديث هو الحديث الثالث من الكتاب القيم (توحيد الصدوق) وقد رواه في الباب (60) (باب القضاء والقدر والأرزاق والأسعار والآجال) عن أبيه علي بن الحسين بن بابويه القمي بسند ينتهي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يذكر مسنده في هذه الرسالة (الاعتقادات) لأنها مختصرة.
واستدراك المفيد الآخر على الصدوق قوله: عول أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه يعرفها العلماء متى صحت وثبت أسنادها ولم يقل فيه قولا محصلا.
نقول: أولا: لم يكن الصدوق في صدد بيان معنى القضاء، وإنما روى حديثا قيما عن زرارة أنه سأل الصادق (عليه السلام) فقال له: يا سيدي ما تقول في القضاء والقدر؟ قال:
أقول: إن الله تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم، وروى نظير هذا الحديث في الباب المذكور من كتابه (التوحيد) بسند