وهذا البيان يكون وجيها في صورة ما لو كان المراد من التفويض هو التفويض المطلق أي الأعم من التفويض التكويني والتشريعي، لأن التفويض التشريعي ينتفي بهذا البيان.
ويمكن أن يبين بهذا النحو وهو أن الأمر بين الأمرين، يعني أن نهي العبد عن المعصية لا يكون سببا عن صده عن المعصية، وتركه على حاله لا يكون دافعا له إلى المعصية، وفي هذا الأمر (الوسط) يكون اختياره محفوظا لكنه ليس بلا تكليف ولا مفوض إليه.
إلا أن الشيخ أبا عبد الله المفيد عرف الجبر أولا فقال: هو الحمل على الفعل...
بالقهر والغلبة، وحقيقته إيجاد الفعل في الخلق دون أن يكون لهم القدرة على الامتناع.
ثم قال: وقد يعبر عما يفعله الإنسان بالقدرة التي معه على وجه الإكراه له على التخويف والإلجاء، أنه جبر، والأصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه حسب ما قدمناه، وإذا تحقق القول في الجبر على ما وصفناه كان مذهب أصحاب المخلوق هو بعينه، لأنهم يزعمون أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون للعبد قدرة على ضدها والامتناع منها، وخلق فيه المعصية كذلك، فهم المجبرة حقا والجبر مذهبهم على التحقيق.
ثم قال: والتفويض: هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال، والإباحة لهم مع ما شاءوا من الأعمال، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات، والواسطة بين هذين القولين: أن الله تعالى أقدر الخلق على أفعالهم ومكنهم من أعمالهم وحد لهم الحدود في ذلك، ورسم لهم الرسوم، ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف والوعد والوعيد، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبرا لهم عليها، ولم يفوض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها الخ... (1).
وتعقيبا على ما قاله هذان الشيخان العظيمان، ينكشف بما ذكرناه آنفا من شرح توضيحي لمفاد الرواية التي رواها الشيخ الصدوق عليه الرحمة - ينكشف أن التفويض عندهما جميعا بمعنى واحد.