مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٣٠١
الأمر) وقد استدل على هذه المعاني مستشهدا بالقرآن المجيد، وإن كان الأنسب أن يستشهد في الاستدلال على (الفراغ من الأمر) بقوله تعالى (فإذا قضيت الصلاة) (1).
وواضح أن المعنى المناسب من هذه المعاني الخمسة للقضاء الذي يقترن ذكره بالقدر، هو: الأمر والحكم الذي يشمل الحكم والقضاء التكويني والحكم والقضاء التشريعي.
وما ورد النهي عن التكلم فيه هو الكلام في القدر، وليس المراد منه أن الكلام والفحص عن كيفية الأشياء ممنوعان ومنهي عنهما - كما لو أردنا أن نعرف مثلا مم يتألف الماء وكم هي نسبة عناصره بالمئة، أو نعرف مقدار الهواء والأشياء الأخرى - فكل ذلك ليس منهيا عنه، وما هو بواد مظلم حتى يكون السلوك فيه خطرا، فاكتشاف علل الأشياء الظاهرية والطبيعية والكلام فيها وفي ما هو مبدأ العلوم المتعارفة، كالطب والكيمياء والفيزياء والهيئة وغيرها، كل ذلك غير منهي عنه، بل التدبر والتفكر فيه مما رغبت فيه الآيات وحضت عليه الأحاديث كما يقول القرآن الكريم (وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (2).
كما أن البحث أو الفحص عن الحكمة من الأحكام الإلهية وما فيها من مصلحة، وهو ما تتناوله أقلام المتكلمين، كل ذلك ليس بحثا عن القدر، إلا أن يكون البحث في سلسلة أحكام عبادية بحتة، ومعرفة أسرارها وعللها لا تتم إلا عن طريق الوحي والنبي الأكرم نفسه (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده (عليهم السلام) الذين هم خلفاءه، فبواسطتهم يمكن استكشافها ومعرفة كنهها، فليس بيان حكمتها تعويلا على الحدس والتخمين فيها مقنعا والقول بغير علم فيها منهي عنه.
ولعل المقصود من القدر، الغامضة معرفته والمظلم مسلكه وواديه، هو المعايير والمقادير والنظم الكائنة في عالم الخلق - غير النظم الظاهرية والأسباب والمسببات المعلومة - والأمور التي لا يرقى إليها إدراك البشر والبعيدة عن متناول العلوم البشرية، وبعبارة أخرى أسرار الخلق والإيجاد والنظم والأحوال الكلية، العامة الجارية على العالم وسر قسمة الأرزاق.

(1) الجمعة - 10 (2) الذاريات - 20
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»