كما ينبغي أن نستدرك قائلين: إن التفويض أطلق على معنيين آخرين:
أحدهما: تفويض الخلق والرزق إلى الأئمة (عليهم السلام) كما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) حيث قال (من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليه فقد قال: بالجبر، ومن زعم أن الله فوض الخلق والرزق إلى حججه (عليهم السلام) فقد قال: بالتفويض. فالقائل:
بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك).
وما يلمس من خلال هذا التعريف: أن مورد الجبر والتفويض ليس واحدا، فالجبر في مورد أفعال العباد، والتفويض في أمر الخلق والرزق، ووفقا لهذا التعريف، فإن تصور الأمر بين الأمرين اللذين هما في مورد واحد يكون بغير موضوع.
والمعنى الثاني: أن العباد في أفعالهم مخيرون وهم في غنى واستقلال عن المدد الإلهي وقوته، وأعمالهم تصدر دون حوله وقوته، ولا توجد في البين مسائل من قبيل التوفيق والخذلان.
والظاهر أن المسألة التي أثيرت بين المتكلمين والأشاعرة والعدلية في الجبر بمعناه المذكور والتفويض، كانت بهذا المعنى، والحديث الشريف (لاجبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين) والأحاديث الكثيرة الأخرى والوجوه المذكورة في المراد من (الأمر بين الأمرين) تشعر بهذا المعنى وهو أن التفويض في قبال الجبر، كالرواية الواردة عن محمد بن عجلان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): فوض الله الأمر إلى العباد؟ فقال: الله أكرم من أن يفوض الأمر إليهم، قلت: فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ فقال: الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه.
وقال (عليه السلام) في حديث آخر (الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقونه، والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد).
الاعتقاد في الإرادة والمشية ما قاله الصدوق عليه الرحمة في هذا الباب ليس بمكان من الوضوح يصل إليه فهم أمثالي بسهولة، ويستطيع أن يدرك نظرات هذا الرجل العظيم، لذا فنحن في حدود ما