مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٣٠٠
هذا النظام فقد أسند صدورها إليهم أنفسهم، فما هو متعلق الإرادة كون العباد مخيرين، ومن هذه الجهة فإنه لم يجبر العباد ولم يضطرهم على صدور أفعال الخير، ولم يرد أن يضيق عليهم ويثقلهم ويعسر عليهم، لذا فإن جميع العالم يجري وفقا لإرادة الله تعالى ومشيئته، ولا يقع شئ خارج إرادته ومشيئته، ومن ذلك أفعال العباد أيضا فلا تصدر عنهم جبرا، ومع ذلك فجريان نظام العالم تحت رعايته ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو يجري بحوله وقوته و (كل يوم هو في شأن).
الاعتقاد في القضاء والقدر ذكر الصدوق رحمه الله في هذا الباب روايات مهمة وغزيرة جدا، يدرك مضامينها المتضلعون في المعرفة إلى حد ما. وهذه الروايات تشير إلى غموض أمر القدر وعظمة أسرار الخلق ودقائقه، وعجز البشر عن أن يتوصل إلى معرفة جميع أسرار عالم الخلق والأفعال، بحيث يبسط العارفون ألسنة التقديس والتسبيح تلقائيا خاضعين خاشعين لله وهم يصغون إلى هذا النشيد الصوفي الرائع:
أنى يحيط بكنه ذاتك عابد * أم كيف يرقى للعقاب ذباب أتحيط بالبحر الخضم فراشة * فيماط عن رب الوجود حجاب (1) فسبحان الذي دانت له السماوات والأرض بالعبودية.
والغرض أن هذه الروايات عند أولئك الذين ذاقوا من عين طعم معرفة الله وأسماءه الحسنى، في منتهى العذوبة.
أما الشيخ أبو عبد الله المفيد فقد أشار في معنى القضاء إلى أربعة معان بل إلى خمسة معان) وهي (الخلق) و (الأمر) و (الإعلام) و (القضاء في فصل الخصومات و (الفراغ من

(1) البيتان ترجمة لقول الشاعر:
هرگز نرسد به كنه معبود كسى * چون فهم كند سر هما را مگسى از روى مثل خداست درياى محيط * وآن را نكند احاطه هر خار وخسى
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»