وفي عبارة (بل يداه مبسوطتان) رد على الاعتقادين الفاسدين، وذلك بأن الدنيا ونعمتها واستمرارها منه سبحانه، والآخرة ونعمتها واستمرارها من قبله أيضا. فالله لم يفرغ من الأمر و (كل يوم هو في شأن) (1).
أما تفسيره لقوله تعالى (لما خلقت بيدي) حيث اعتبر الباء بمعنى اللام وجعل اللام للغاية فيبدو بعيدا، أضف إلى ذلك أن لفظي القوة والقدرة ليسا مترادفين بمعنى واحد، فمعناهما مختلف بحسب اللغة، ولذا فقد قيل في الأسماء الحسنى لله: إن معنى القادر غير معنى القوي.
وبعد هذا نقول: يبدو أن أظهر الوجوه في تفسير الآية الشريفة هو الوجه الثالث من الوجوه التي أشار إليها المفيد، وهو بما أن ظهور قدرة الإنسان إنما تكون بكلتي يديه، وبكلتي اليدين تتجلى القدرة بصورة أكمل وأكثر لذا فقد بين بهذا التعبير ظهور كمال قدرة الله في خلق آدم وعبر عن ذلك (بيدي)، وليس المراد منه أن قدرة الله لها مراتب، وليس حالها حال المقدورات كالإنسان مثلا، إذ لا يستطيع أن يحمل بيد واحدة ما ينبغي حمله بيديه معا.
وفي علم الله وقدرته لا يوجد هذا التفاوت والاختلاف بالنسبة إلى المقدورات والمعلومات، لكن قدرة الله الواسعة غير المتناهية، هي التي أظهرها بخلق المخلوقات الصغيرة والكبيرة، وما يرى وما لا يرى، والإنسان والحيوان، والملائكة والمجردات، والنمل والجراد، والذرة الخ.
وفي ذكر بيان وجود الإنسان إظهار للقدرة بصورة أجلى، ومن أفراد البشر الكاملين آدم (عليه السلام) وسائر الأنبياء، وخاصة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأوصياءه، فهم أكمل وأجلى وأتم صورة لإظهار قدرة الله.
ولهذه الجهة كان التعبير (بيدي) في خلق آدم أكثر ملائمة ومناسبة وموافقة للبلاغة.
والله هو العالم بمراده.