مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٢٩٦
أمور عالم الخلق ونظامه المقدر والمقرر، غير العلم بالنظام والتقدير، وعلم الله وإن كانت حقيقته التي هي حقيقة الذات عينها غير معلومة لأحد، إلا أننا نعلم هذا القدر وهو أن غير العلم مخلوق. إذن فلا يمكن القول: بأنه إذا كانت أفعال العباد مخلوقة بخلق التقدير فمن علم النبي فقد خلقه.
والانصاف أنه لا يرد على الصدوق أي إشكال، وما قاله الصدوق وتوضيحنا عليه هو ما قاله الشيخ المفيد في ذيل (باب الجبر والتفويض).
وعلى كل حال فما قاله المفيد هو الحقيقة عينها، وهو أن (الله تعالى متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال) وهذه حقيقة يعتقد بها الصدوق وأهل العلم جميعا والشيعة قاطبة، والآيات والروايات صريحة في ذلك، ولايتهم أي شيعي بغير هذا الاعتقاد.
أما الاستدلال بخصوص الآية (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (1) فمحل نظر وتأمل، لأننا إذا لم نقل: إن الخلق - هنا - ظاهر في معناه المصدري وهو الإيجاد، لا بمعنى اسم المصدر، فإن المعنى الثاني ليس بأرجح من المعنى الأول.
الاعتقاد في نفي الجبر والتفويض قال الشيخ أبو جعفر الصدوق: اعتقادنا في الجبر والتفويض قول الإمام الصادق (عليه السلام) (لاجبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين) فقيل له: وما أمر بين أمرين؟
فقال: ذلك مثل رجل رأيته على معصيته فنهيته فلم ينته، فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لا يقبل منك فتركته، كنت أنت الذي أمرته بالمعصية).
ولتوضيح هذا الحديث الشريف وقبل التعرض إلى كلام الشيخ أبي عبد الله المفيد نقول: يحتمل أن يكون المراد أن الأمور غير مفوضة إلى الناس أنفسهم، وإلا لكان كل من التكليف والأمر والنهي في غير محله، كما أن الاختيار لم يسلب منهم، وإلا لما كان يتحقق منهم العصيان في التكاليف.

(1) الملك - 3
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»