مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ٢٩٥
فأما التقدير فهو الخلق في اللغة لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل، فأما بالعلم فلا يكون تقديرا ولا يكون أيضا بالفكر، والله تعالى متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال.
وعقب على ذلك برواية عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) فقال: إنه سئل عن أفعال العباد فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالى؟ فقال (عليه السلام): لو كان خالقا لها لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه (الله برئ من المشركين ورسوله) (1) ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم. ثم ذكر الإمام (عليه السلام) ما جرى بين أبي حنيفة والإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) في هذا المقام واستشهد ببعض الآيات التي تدل على تنزه الله عن فعل القبيح.
ونحن نقول في هذا البحث: من المتيقن به أن الشيخ الصدوق كالشيخ المفيد لا يرى أن الله فاعل أفعال العباد، وما ذكره الشيخ المفيد من الآيات والروايات فيه تطابق نظر ووحدة رأي بينه وبين الشيخ الصدوق، إلا أنه هنا أراد أن يفسر ظواهر من قبيل (الله خالق كل شئ) (2) أو (كل من عند الله) (3) ففي الوقت الذي يكون الإنسان نفسه فاعل أفعال نفسه، لكن لما كان العلم بما فيه من هذا النظام والترتيب والتقدير، ومن جملته كون الإنسان مختارا هو فعل الله ومحكوم تقديره، فمن هذه الجهة يكون صدور المعصية والقبيح من الإنسان باختياره بتقدير الله ومن لوازم خلقه وتقديره وآثارهما أيضا، لذا فلو قيل بأن أفعال العباد هي مخلوقة من الله، فإنه لم يقع في ذلك خلاف ولا إثبات نقص واستناد قبيح إليه سبحانه، ولعل ذلك هو معنى (الحديث القدسي) (يا بن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك).
وبديهي أن العالم بالمقادير هو خالق التقادير، ومن هذا المنطلق جاز أن يطلق عليه خالق المقادير، وهذا هو غير الفعل المتعلق بالتقدير الواقع في التقدير، كما أن تقدير

(1) التوبة - 3 (2) الزمر - 62 (3) النساء - 78
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»