لا يلزم مع الاعتقاد بتنزه الله تعالى عن فعل القبيح، الالتفات إلى تفاصيله مثل أنه تعالى لا يكلف بما لا يطاق.
وفي باب الجبر والتفويض: الإعتقاد بالجبر المستلزم إثبات صدور الظلم والقبيح عن الله مناف للاعتقاد بالعدل، والاعتقاد بالتفويض في بعض معانيه مناف للتوحيد، إلا أن عدم الالتفات إلى (الأمر بين الأمرين) إذا لم يكن مفهومه العقيدة بأحد الأمرين لا يوجب الخروج عن الإيمان، فليست معرفة الأمر بين الأمرين شرطا في الإيمان.
وفي مسألة الوحي: يجب الاعتقاد بالوحي وارتباط النبي بعالم الغيب، ورسالته من قبل الله ونبوته، لكن لا يجب الاعتقاد بكيفية ذلك وإن افترضنا إمكان معرفته واستيعابه.
إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة في الاعتقادات مما لسنا في صدد استقصائه، ولعلنا سنشير إلى بعضها خلال بحثنا في أبواب هذين الكتابين.
والآن نود بمراجعتنا لهذين الكتابين أن نجلس بين يدي نابغتين في الحديث والكلام وعمدين في معارف الدين، وننهل من معينهما الفياض، ونقتطف من ثمار علومهما اليانعة.
وأول باب فتحه أبو جعفر عليه الرحمة في هذه الرسالة الموسومة بالاعتقادات، باب له تقدم مطلق على جميع الأبواب، وهو باب التوحيد الذي عبر عنه ب (باب اعتقاد الإمامية في التوحيد) ثم قال:
(إعلم أن اعتقادنا في التوحيد: أن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شئ، قديم لم يزل ولا يزال سميعا بصيرا، عليما حكيما، حيا قيوما، عزيزا قدوسا، عالما قادرا غنيا، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح، ولا ثقل ولا خفة، ولا سكون ولا حركة، ولامكان ولا زمان، وإنه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه، خارج (عن الحدين) حد الإبطال وحد التشبيه).
ثم واصل هذه الكلمات الرفيعة العرفانية مشيرا إلى بعض آيات القرآن وتفسيرها.
ومنها: هذه الآية الكريمة (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود.. وهم سالمون) (1) فقال في مقام نفي توهم دلالة الساق على ساق الرجل: الساق وجه الأمر وشدته.