وتوضيحا لذلك نقول: الظاهر أن الصدوق أراد من قوله (كلما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته فإنما نريد بكل صفة منها نفي ضدها...) نفي الصفات الزائدة على الذات فلا نقول (الله علم وعالم ذاته وعلمه).
كأنه أراد أن يقول: إن مدلول العالم والقادر... وما يفهم من ذلك مع ملاحظة نفي الصفات الزائدة على الذات: أن الله ليس بجاهل أو الله ليس بعاجز، وبتعبير آخر: لعل مراده أن الفرق بين صفة الذات وصفة الفعل، أن مفهوم صفة الذات هو نفي ضدها عن الله، فمعنى (الله عالم) إثبات العلم لله، أن ضده بهذا المفهوم منفي عن الله، وأن الله ليس متصفا بضد ذلك و (ليس بجاهل) الذي مفهومه نفي كل نوع من الجهل كالجهل بالجزئيات، لأن نقيض السالبة الكلية (ليس بجاهل) الموجبة الجزئية (جاهل بالجزئيات) بخلاف قولنا (الله الشافي) الذي ليس مفهومه أن الله ليس بالكافي. وبهذين المعيارين تتميز صفات الذات عن صفات الفعل.
واللطيفة المهمة الأخرى هنا: هي أنه إذا كانت في الصفات التي ذكرها الصدوق، وسائر صفات الله الكمالية، سواء كانت جمالية أو جلالية، ما اختلف فيه أهو صفة الذات أم صفة الفعل، ولم تتضح ماهيتها من الكتاب والسنة، فإن طريق السلامة والنجاة أن نتجنب الخوض فيها ونكتفي بالاعتقاد الإجمالي في مورد الاعتقاد والتدين بها، وأن نعرض عن الجدل والنقاش في مثل هذه الأمور.
وينبغي أن نروي بعض الأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة في هذا المقام لمناسبة الكلام، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لمحمد بن مسلم (يا محمد، إن الناس لا يزال بهم النطق حتى يتكلموا في الله فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا اله إلا الله الواحد الذي ليس كمثله شئ). وروي عنه (عليه السلام) أنه قال أيضا (من نظر في الله كيف هو هلك).
كما روي عن أحد الصادقين (إما الباقر أو ابنه أبي عبد الله (عليهما السلام)) أنه عند ما سئل عن شئ من الصفة (فرفع يده إلى السماء ثم قال: تعالى الجبار تعالى الجبار من تعاطى ما ثم هلك!).