مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ١ - الصفحة ١٨٥
التلف لامتناعها على السباع واستمرارها بالرعي، لا تتعرض لها ولا تلتقط، لأن العادة جرت بطلب مالكها لها حيث فقدها، أما إذا كانت فاقدة الأمرين فيجوز التقاطها، وفي الصورتين راعى الشارع الأقدس مصلحة المال والمالك، والحكمان حكمان ثابتان لا يقبلان التغيير إلى يوم القيامة.
وروي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل ترك دابته من جهد، قال: (إن تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها حيث أصابها، وإن تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ فهي لمن أصابها).
وفي خبر مسمع عنه (عليه السلام)، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الدابة إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها. قال وقضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ترك دابته في مضيعة فقال: إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له، يأخذها متى شاء، وإن تركها في غير كلأ وماء فهي للذي أحياها).
وأما امتناع الرسول (صلى الله عليه وآله) عن التسعير فلا يستفاد منه الإطلاق، وأنه كان ممتنعا عنه ولو عرض مثل الحنطة وأشباهها، مما يتقوم به الحياة والمعاش بسعر لا يستطيع أكثر الناس شراءه، ويقعون بذلك في الحرج والمشقة الشديدة والمجاعة.
هذا مضافا إلى أن أكثر الموارد التي استشهد بها هذا الكاتب وغيره على اجتهاد الرسول (صلى الله عليه وآله) وكون حكمه حكما موسميا ورأيا رآه دون أن يكون مستمدا من الوحي، هي موارد دار الأمر فيها بين ارتكاب أحد المحذورين الشرعيين والمتزاحمين، فرجح (صلى الله عليه وآله) ارتكاب المحذور الأخف، في ضوء إرشادات الشارع وتعاليمه.
والحاصل أن هذه الأمور لا تعد من التغيير وليست به، وهكذا عمل القاضي شريح، مضافا إلى أنه ليس بحجة، فقد بقي قاضيا إلى عصر غلبة بني أمية، العصر الذي سلب فيه الناس حرياتهم الإسلامية، ولم يكن لأحد حق النصيحة لعمال الحكومة وقضاتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بتعريض ماله ونفسه وخاصته للنهب، وأنواع التعذيب والقتل، مضافا إلى ذلك فإنه يمكن حمل عمل شريح على هذه المحامل إن كان هو ممن يفهم هذه الأمور، فمثلا قوله (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي واليمين على من أنكر،
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»