وقاعدة حجية البينة، لا ريب أنها قاعدة شرعية وطريق لإثبات الدعاوي وفصل الخصومات، إلا أنها كذلك إذا كانت بحسب النوع تفيد الظن ويعتمد عليها العرف، أما إذا تغير حال الناس وآل الأمر إلى ما آل من ظهور بني أمية وأعوانهم وأتباعهم على الأمور، ورأى القاضي المسكين أن أعوان القاضي والشهود الذين يشهدون على دماء الناس وأموالهم يتقربون إلى أرباب السياسة والحكومة بالشهادة على المخالفين والثائرين عليهم، ويشهدون كذبا وزورا على محبي أهل بيت النبوة وشيعة الحق، فلابد له أن يعتذر بعدم اعتماده على البينة، وأنه باجتهاده استنبط من دليل اعتبار البينة أن مناط حجيتها حصول الاطمئنان بها للنوع غالبا واعتماد العرف عليها، فإذا انتفت تلك الخصوصية تنتفي حجيتها لا محالة، ولا ريب أنه لم يمكن له في مثل ذلك العصر رد الشاهد ضد أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم بسبب فسقه العملي والقولي.
على كل لا ريب في أن اختلاف آراء القضاة أو القاضي الواحد في القضايا المتشابهة كاختلاف أهل الفتيا في فتاويهم أو المفتي الواحد في فتواه في موضوع واحد لأربط له بتغيير الحكم الشرعي، بل الواقع أنه هو يجتهد ولا يرى مثلا لدليل حجية البينة أو الحلف أو غيرهما إطلاقا يشمل بعض القضايا، وإلا فلا يجوز لأي قاض كائنا من كان مع الاعتراف بشمول إطلاق النص وعمومه الامتناع عن القضاء، أو القضاء على خلاف النص.
5 - النبي والاجتهاد تقدم أن الكاتب قال: إن أحكام الرسول (صلى الله عليه وآله) في مثل هذه الأمور الجزئية.... إلى آخره، وهذا التصريح منه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان فيما يأمر به وينهى عنه يعمل بالاجتهاد، وعليه، يجوز وقوعه في الخطأ كسائر المجتهدين، والمسألة خلافية.
والذي نذهب إليه ونؤمن به تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله) عن الخطأ في الشرعيات فيما هو فيه أسوة للأمة وغيرها، وهذا واضح للمتدبر بأدنى تدبر وتأمل، لأنه إذا كانت سيرة الرسول وسنته القولية والفعلية من مصادر اجتهاد المجتهدين وتفسير الكتاب وبيان