الخاص بكيفية خاصة وغيره يرى غيرها. فالدين والشرع وحتى القوانين التي تنشأ من قبل البرلمانات والمراكز التي لها صلاحية وضع القانون أو الدستور في الأنظمة العلمانية لا تتدخل في أمثال هذه الأمور، بل كل واحد من الناس حر مختار فيها.
وفي تلقيح النخل أيضا الأمر هكذا، فكل قوم وكل شخص يعمل على طبق ما يرى فيه صلاح نفسه ولا يتدخل فيه الشرع ولا القانون الوضعي، نعم ربما تقتضي الضرورة كحفظ النظام وإدارة المجتمع وأمن الأموال والنفوس المحترمة أن يحجز الحاكم الناس عن بعض حرياتهم في زمان أو مكان ما، ولكن مع أن وجوب إطاعة الحاكم من الأحكام الشرعية، فإن حكمه هذا ليس حكما شرعيا مثل أحكام العبادات والمعاملات والسياسات والحقوق والأحوال الشخصية وغيرها، ولا بحث لنا فيه.
وثالثا: إن كان المراد من الخبر الذي استشهد به أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يأمرهم في أمور دنياهم بأمر وحكم فالاستدلال به لإثبات جواز التغيير في أحكام المعاملات والأمور الدنيوية ضرب من التهافت والتناقض. وإن كان المراد منه أنهم أعلم بشؤون دنياهم من النبي (صلى الله عليه وآله) ويحق لهم أن ينظروا في أمور دنياهم ونظام أمورهم الدنيوية، فشأن النبي (صلى الله عليه وآله) الذي أدبه الله تعالى وأحسن تأديبه أجل وأنبل وأعلى من التدخل فيما لاحق فيه بل هو حق للعباد وهم أبصر منه به، فهو يجتنب لا محالة عن هذا اللغو، وقد قال الله تعالى في حقه (وما ينطق عن الهوى) وهو صاحب الخلق العظيم وأسمى مراتب الأدب ومكارم الأخلاق.
هذا مضافا إلى أن الخبر إن كان يدل على أن أمر دنيا الناس مفوض إليهم لا اعتبار بأوامره ونواهيه فيه، وعليه فتخرج أكثر الأحكام الشرعية الراجعة إلى أمور الناس ومعايشهم وسياسة المدن والإدارة الثابتة بسنة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأوامره ونواهيه من دائرة الدين، ونبقى نحن وأحكام العبادات وقليل من غيرها من الأحكام المنصوصة في القرآن!
هذا إذا لم يأت من المتنورين العصريين من يقول فيها أيضا شبه ما قال عبد المنعم النمر في الأوامر النبوية والأحكام الثابتة بالسنة، وعليه يلزم على الفقهاء حذف أكثر أبواب الفقه الإسلامي الذي هو من أعظم براهين صدق هذه النبوة الخاتمة وكما لها.